الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

رائحة المطر


موعدُنا رائحة المطر، ولا أظنَّكِ تذكرين هذا لأنَّك لستِ على علمٍ به أصلاً، ولكن منذ أن تثنى الغيابُ وأسبلَ رداءه الأصفر على الحيزَّ الذي نشغله ونحنُ لا نعرفُ من الالتقاء إلا موسماً لا تأتي به سوى الأمنيات!
تلك الأمانيِّ المحفوفة بالرغبة في الانعتاق عن كلِّ ما هوُ حالكٌ في جوانح الأمل الذي يحدونا ونحدوه، والليل هاوٍ على السماءِ مذ جثم الزمنُ على صدر العزم فينا، وكفَّت الصروفُ يدَ ما اتفق منها لعابرِ الوصلِ إلا ما كان رَشَحاً من أرواحنا طَرَقَ باب المنام فأجابه!
وأجوبُ الوقتَ أبحثُ عن الحليمِ فيه يُتيحُ لي منفعةً أجدها في انكبابي على الأثرِ العالقِ من البينِ في أضلعي بيدَ أني ما ألفيتُ وقتاً سمحَ أو سمِعَ بهذا!
وأعودُ أدراجي إلى الموطئ الموبوء الذي ما شفَعَ لي بالخيال الخصبِ أستزيدُ منه وسيلةً تُقِلُّني حيثُ ظننا الحسن في ألا نتأخرُ على أنفسنا أكثر من هذا، أعودُ إليه كمُغرمٍ ما ذهبتْ به الغفلة إلا عن ذاك الغرام فنبَّهته الأجزاء التي تشاكلت وتماثلت فيه وفي من عاد إليه جرَّاء ذلكم النداء الخفي، وهذا ما وقع عليَّ من هذه الأرض القاحلة الجرداء التي تشاكلتُ وإياها في كلِّ شيءٍ حتى في طلب المطر!
ولأنَّه الفصلُ الذي لم يأتِ بعدُ، فموعدنا ذرائعه حين تعبثُ الريحُ بأطراف ذاكرتي، وتقتلع السوافي جذور ما حال بيننا، ويلبس البردُ مِعطفَاً بلَّلَه رُضابُ الآخَرِ من كلِّ شيء، وحين تعبس العاصفة في وجه الليل فُتشيبُ رأسه آذِنةً بنهارٍ يقولُ: هيتَ لكُما!
هُناك حالما تتظلَّلين بالكامنِ من الشوق، والغابرِ من الحنين الذي لا يبطُل، سيأتيكِ البشيرُ وسيرمي بقميص الوعد فتنبعثُ رائحة المطرِ زاكيةً، وأمتطي سحابةً من جذوة قلبي يُطفِئُها اللقاء!

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

وكان الأمر


وكان الأمرُ على ما يشتهي الفضولُ منكِ، وكان أن انكشفتُ عليكِ فسقطتُ من البرجِ العاجي الذي صنعته خواطرُ غموضي في نفسك، وشدة جاذبيتي لكِ؛ إذ لم أكن بين يديك فتملكتني، تماماً كما يفقد الكاتب أو الأديبُ صورته البهيَّة المنعكسة عن أحرفه في صدور قرائه أو معجبيه ساعةَ أن يسمح لهم بالاقتراب منه أكثر، فيطلعهم على بعضٍ من الأمورِ التي لا تبرزُ إلا بإخفائها، ولا تُشتهى إلا حين أن تحاط بتمنُّع، فهي تُبتغى في كونها غامضةً لا واضحة!، فالقارئ مثلكِ في هذه الحالة لا يخرج إلا وقد غَنِم، وأدركَ بأنّ السببَ الذي بيني وبينه قد انتفى، وما من جديدٍ يبعثُ انكبابكِ عليَّ إلا أن أكونَ شخصاً آخر غيري!.
إيهِ يا هذه، أتذكرين تلك الورقةَ التي تقدَّمتِ بها إليَّ، مُطَلْسِمَةً بها إيَّاي حتى أكاد لا أعرفني، بل إنني وددتُ حينها أن ألتقي بذلك الكائن الذي ما كان إلا أنا ـ حسب قولكِ ـ فضلاً عن أن أقضي عمراً أفتخر بأن أكونه، بيد أني علمتُ فيما بعد بأنَّني ما كنتُ في ورقتكِ تلك إلا وسيلةً لغايتك فيَّ خارجها. وهذا معدودٌ في غياهب نفسك والآخرين من الطباع المحمودة التي نفدي بها نظراءنا في سبيل المحبة؛ وما ذلك إلا مما راق لكِ بعد أن راج عندكِ، والحقيقة بمنحى لا يتقاطع واعتناقكِ بهذا المبدأ، ولتعلمي بأنَّك صادقةٌ ولكن مع حاسة طمعكِ في أن أكون مطمعاً لكِ عبر صورةٍ ناظرتني بها بعين الجلالة، ومُحِقَّةٌ ولكن في انخداعكِ لهوى النفسِ الذي زيَّفنا إلى بعض؛ بيد أنَّ إفاقتكِ منه أجلى مما عليه صاحبكِ الآن، ويا حسرتي إذ كنتُ أجلدني بسياط الأسئلة التي أرى فيها أثرَ العطفِ ممزوجاً بلومٍ أعلمُ أنَّه لن يكشف عن سوءتي هذه؛ ولكنه أقرب إلى أن يكون ألماً راسياً عليَّ فيما بعد، وهو مما لا أوده من بواقيكِ التي أعودُ معها إلى أحلامٍ تحقَّقت على غيرِ دنياي هذه، وإلى قواعدَ ما خِلتُ أن يقوم عليها الكونُ يوماً ما؛ ولكنَّه القليلُ الذي ما أسكرَ كثيره يا هذه!. 
إيهِ يا هذه وقد مضى على ذلك العهدِ فِراقُ ما بيني وبيني الذي أخذتِهِ معك، فما أنا بعده في حلٍّ من نفسي ولا عنها؛ ولكنني أصطلحُ معها في ماضيكِ الذي يُنعشُ بربيعه ونسيمه حاضراً لا يأنسُ به قلبي ولا يألفه.
وإيه يا هذه وما أجمل الذكرى التي لا تتأتى إلا بكِ في زمنٍ كنتُ فيه فارس أحلامك، وصادقَ أيَّامِك، وآيةَ الواقعِ الأجمل، والذي بشأنهِ بقيتُ أنفسَ ما لكِ عندي!