الأحد، 27 يناير 2013

انحسار

حَسَرْتِ كُلَّ شيءٍ منكِ أفاضَ عليَّ بالبقاء كما تعرفين وأعرف، وما عادت الأيامُ حبليَ الذي أفتلُهُ عن وجهٍ واثقٍ بالأوبةِ أنَّى رحلتِ!
لكنَّها رحلةُ الأبدِ من حيثُ أن طرحتِ متاع الإيابِ في ذاكرةٍ معطوبة.
أمَّا أنا فكنتُ أعلم أني رهنُ مزاجك، وأسيرُ رغبةٍ من رغباتك التي ما كانت تشتهي وفائي إلا حينما تضيقُ بها سُبُلُ الجفاء عني، أو تعود تلك الذاكرةُ إلى ما عُهِدَ في ذهنها فتعمل!
وكما تعتقدين دوماً، وبالطريقةِ التي تتوافقُ مع ما اتَّصفتِ به من عزِّةٍ عليَّ دون غيري؛ تظلُّ البداياتُ تصدرُ عني حتى وإنْ عزمتِ الزيارة!
وهانئةٌ أنتِ وأرضى بالقليلِ منكِ خشيةَ العدم، ووالله ما زلتُ أعجبُ من شرِّ ما ابتُلِيتُ به، ومن سوء ما أدفعُ به بلواي، حتى أني ما فتئتُ أدرأ عن رايةِ الرجاء التي ما زلتُ أحملها بأعذارٍ تطفَّلتُ بها على مائدة الحكماء، ولستُ منهم وقتيَ ذاك أبداً.
أجل هو ذاك وليس ذا؛ لأنَّها الأيام وما ظننتُها إلا أن تكشف لي مدى ما أسُقِطَ في يديها منكِ؛ ولكنَّها كانت أمضى عزماً من الإرادةِ التي تسلَّطتِ بها عليَّ، وأشدَّ حزماً من قيمةِ جزعي على الفقد، فكان أن عدتُ من حيثُ مدَّ انحسارُكِ أفقَ رؤيتي القاصرة.
أتدرين؟ أصبحتِ كما الغيب الذي رأيتِني به من قبل، فانسقتِ أمام فطرة الفضول في معرفة ما لم يُعرف وكفى، حتى إذا انكشفت رموزي عليكِ ألفيتِ غايتَكِ في جزْرٍ عما فوق ذلك؛ ولكنَّك حينما تكونين غيباً عدايَ فأنتِ غيبٌ من حيثُ أن يدرِككِ العقل، ويعلم بما لا يُرجى من إحاطتهِ بما لديكِ، فَمدَّ بأجنحةِ التجاهلِ يقي بها الاحترام الذي يكنِّه لنفسه دوماً!

الاثنين، 21 يناير 2013

ثالثة الأثافي/ قصيدة

أنأبى العزَّ إلا من خِلافِ
لعَمْري تلك ثالثةُ الأثافي
يدُ الزنديق لا تحنو ولكن
أيادينا تُربِّتُ بالتجافي
وما واللهِ يخذلنا طِعانٌ
ولكنّ الرِّماحَ بلا ثِقافِ
صبرْنا بيدَ أنّا ما ظفرنا 
بغيرِ العجْزِ والجَزَعِ الخُرافي
وتثكُلنا بحمصٍ كلَّ يومٍ
حرائرُ هُنَّ أشجعُ مَن يُوافي
وأطفالٌ تدوسُ الموتَ غضًّا
فينجو الموتُ ينجو بالمَخافِ
وأحرارٌ جحاجحةٌ كُماةٌ 
شِعارُهمُ أغيرَ اللهِ كافِ
أنلْهَجُ بالإخاء وقد نسينا 
دمَ العذراءِ في ثوبِ العفافِ
أنلهجُ بالإخاء وما غضِبْنا 
لِحمزةَ حينَ يُذْبحُ كالخِرافِ
أنلهجُ بالإخاء ولا إخاءٌ
لنا إلا على رُوحِ الخِلافِ
فيا اللهُ أدركنا فإنا 
تقادمَ ليلُنا والفجرُ غافِ

الأربعاء، 2 يناير 2013

واختلى بنفسه


دونك البلاد الشاسعة والقفار الواسعة، فصُبَّ فيها من نفسك ما يجعلك ذا قيمة!
هل يُسعدك أن آذيتَ نفسك؟ أنت قادرٌ على اغتراف الحزنِ من فمِ الذاكرة المُطبق أنَّى شئت؛ ولكنَّك تنحى قدرتك تلك عن كشف سنِّ بسماتك. لِمَ يا تُرى؟
 أتؤثرُ الأسود على الأبيض، والجرح على البُرء، والداء على الدواء، وكفن الموت على مهد الحياة؟!
من أيِّ البشرِ أنت؟!
أمِمَّن انكبَّ على الأرض فما فَطِنَتْ له السماء؟ أم ممن تقرَّب إلى السماء فلفظته الأرض؟ أم تُراك ممن لم تعرفه إحداهما، أو كلاهما؟!
بالله أين أنت؟
جِدْ لي نفسكَ, أأنتَ معكَ أم تولَّيْتَ عنك؟
انفث، فقد يملأ هذا هواءك الفارغ من أسباب الحياة. انفث فمثلك يقوى على النفث، ثم بُث، حتى يكلَّ بك لسانُك، وتزدريكَ آلامُك، وتعْتمُّك أحزانُك!
هل في ذلك شفاء؟ أم نسيم امتثال لعافيةٍ ما؟!
ممَّ تشكي؟ إخال أنَّ ألمك مما لا تعرف له صفةً فضلاً عن أن تحدد له موضعاً حسياً أو معنوياً، ثم فضلاً عن أن تجد له مسلكاً في الشكوى.
لكنني على كل حال، أعلمُ أنَّه ألمٌ والذي خلقك.
ثق في ذلك الصبر الذي صرفت نفسك عنه إلى كل شيءٍ اعتقدت أنَّ فيه البلسم والدواء فإذا به لا يخلو إلا منهما، وظلَّ ذلك الصبرُ أمامك لا يسترجيك ولا يستعطفك غير أنَّه يردد لك في صمته الذي تراه سمةً له: أنا لها، أنا لها.
  

ثمنك باقٍ ما بقيَت كلماتك تبوح عنك، صدقني أنت لن تتكرر مرةً أخرى، إذا لم يكن على هذه الأرض، فعلى هذا الحيز من الإنسانية الحقة التي بلغتها وأنت قد بذلت من روحك روح الإيمان بنفسك، حتى تلاشيتَ قيمةً أكبر من أن تبصرها رؤية، أو يحيط بها نظر.