أفتقد صديقاً حميماً. في غمرة الإحساس الملتبس بين الشعور بالوحدة والشعور بالفراغ الذي تستند عليه الروح، تبدو قيمة الأصدقاء مضيئة في تقاسيم ملامح تلكما الحالتين. ولأن للأصدقاء معياراً ومقياساً ما للذين يبدو عليهم التحفظ على أطر الصداقة، أجد أنني أفتقد ما هو أعلى من ذلك وأقرب، أجل أقرب. ألتقي بعدد وافٍ بالنسبة لي من الأصدقاء؛ لكنني أفتقد وأنا في طور حديثي العام، وانتمائي الاجتماعي الهائم إلى الأحاديث الخاصة، المتدفقة عفو الخاطر، تلك التي لا أمنح الوقت ولا الموقف فرصة سانحة للتحفظ عليها، إلى التشاكل الأمثل والتطابق الأكمل، إلى الخلة التي تذهب بي في صفاءٍ إلى قريني، خدني، خليلي، توأم روحي. كنتُ بحاجة إلى دائرة اجتماعية مغلقة، أقل قطراً وأصغر محيطاً، أتطوَّفُ بها كما أشاء. كنتُ بحاجة إلى التفاصيل، تلك الأشياء الحمقاء الخاوية، التي كنا نتداولها ونعتبرها أسراراً، وهي كذلك إذ بدا ثمنها لما انحصر رواجها وتداولها بين اثنين. اليوميات التافهة التي لا تخلو من تبسط نجمعها لنطرحها كلما نلتقي، إن في تلك التفاصيل تبدو الحكاية كلها. في تلك الشبكة الاجتماعية المختلطة من الأصدقاء والأقرباء والمعارف، يظهر الصديق الحميم كشعلةٍ تقودك حيث نفسك التي تعتزل بها، لتكون متحداً بما يكفي مع روحك في هذا الفضاء. حينها ستحلق بكل تأكيد.
اللهم شركاء يختصرون علينا المسافة مسافة العمر وأصحاباً لا يذخرون لنا إلا المزيد من المودة ورفاقاً يستأنسون بنا، لا نشعر معهم بالوحدة وأحباباً كلما تفقدونا وجدونا في قلوبهم وأحلاماً لا تألو تحلق بنا في السماء وبركةً مثل ذلك فيما تبقى من الحياة.. الحياة الكريمة التي نريد.