الخميس، 6 ديسمبر 2012

حين أراك


حين أراك لا أذكر إلا أنني أعيش هذه اللحظة بكلِّ ما يحيطُ بها من حياةٍ وجماد، من مكانٍ وزمن؛ وكأنني للتوِّ أنبجسُ من العدم؛ بيد أني لا أعرف في لقائي بك إلا أن أفترَّ عن ثنايا الفرح أعضُّ بها على عمر اللحظة التي أعانقك فيها فلا تعرف الموتَ أبداً!
دائماً ما أحلمُ بتلك الضحكة المجلجلة وأتصورها في خيالي وهي تأتي هكذا دونما سبب، فأسعد جراء مرورها وهميةً كأمنيةٍ طالما تمنيتُ أن أعلق بجناحها وهي تطير؛ ولكنني لم أتصور أن أتجسد بروح تلكم الضحكة بحقيقةٍ تتماسُّ مع مشاعري تماساً ظاهراً لا أستطيع إلا أن أتلمسَّه في داخلي، بل وإني لم أمقتُ أواني ذاك إلا الأحلام وقد أحالها الواقع الجميل إلى زًقاقٍ عطنٍ برائحة الأماني البائسة. أجل حدث هذا وصدر مني؛ ولكنني لم أكن وحدي أبداً، كنتِ أنتِ اليمين المفقود من اللوحة التي رسمها خيالي آن ذاك، بل وكان هذا الهناء هو الكأس الذي أدليتُ برأسي قريباً من فمه مدارياً رسم القهقهة على وجهي؛ ولكنك كنتِ تبسمين بسمة أمٍّ أبداً ترضى عن ابنها حينما يتشكل بغير طبيعته الأولى فيها!
ولأنني لا أعرفُ إلا أن أدلفَ إلى قلبكِ بيمينِ شوقي رضيتِ أبداً أن أخرج على أي شكلٍ من الحنينِ الذي أقسمتِ ذات مرةِ أن تطوين بعده لظروفٍ تتأبطه بدلاً من أن تبسطَ له لافتاتها التي لا تشيرُ إلى أملٍ ولا تنتهي إلا عند مفازةٍ من السلوى.
كنتُ دائماً ما أقولُ بأنَّ الكلام عنك/ معكِ وَعِرُ المسلك، صعب الانقياد، عسيرٌ على مثلي أن يتأتى له ولو بعد حين؛ ولكنَّك كنتِ ـــ مع حبي ـــ لا تستسيغين هذا مني، وتمجِّينه من فور أن ينطرحَ عليك ثمره ولمَّا ينضجْ بعد، ثم لا يردك بعد ذلك إلى الحقيقةِ التي هززتها فيكِ إلا تلك المتاهاتِ التي يدورُ فيها تعبيري مخلَّفاً في إثره المعاني العميقة التي لا تفصح عنها إلا تلكم اللهفة التي أماطت الجفاف عن نظري حين أراك!   

السبت، 24 نوفمبر 2012

عيون تالا / قصيدة

هي الفرحة الأولى، وحسبك ألم يكن لها قبل!



يهابُ الحزنُ فيَّ عيونَ تالا
وأحْمَدُهُ رَزَقْنيها تعالى
فَمِنْ بَعْضيْ تَورَّدَ عُمْرُ بعضي
وَأورقَ في الحشا غُصْنٌ ومالَ
وَرَنَّقَ في الحنايا طَيْرُ سَعْدٍ
وَحلَّقَ بي ودادكِ حَيْثُ آلَ
فَدُوني مِن شَغافِ القلبِ بنتي
وأبْعَدُ من غَوانيهِ جمالا
أموتُ لها وفي الآثارِ حيٌّ
مِن الأشواقِ شدَّ لها الرِّحالا

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

سأقول لطفلتي

سأقولُ لطفلتي أن الابتسامة هي أصدق لغة من تلك التي ننطق بها حينما نعبر عن فرحنا، كما أني سأخبرها أن الدمعة إشارةٌ على أن تلك اللغة من الابتسامة قابلة للتطور والاشتقاق.

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

رائحة المطر


موعدُنا رائحة المطر، ولا أظنَّكِ تذكرين هذا لأنَّك لستِ على علمٍ به أصلاً، ولكن منذ أن تثنى الغيابُ وأسبلَ رداءه الأصفر على الحيزَّ الذي نشغله ونحنُ لا نعرفُ من الالتقاء إلا موسماً لا تأتي به سوى الأمنيات!
تلك الأمانيِّ المحفوفة بالرغبة في الانعتاق عن كلِّ ما هوُ حالكٌ في جوانح الأمل الذي يحدونا ونحدوه، والليل هاوٍ على السماءِ مذ جثم الزمنُ على صدر العزم فينا، وكفَّت الصروفُ يدَ ما اتفق منها لعابرِ الوصلِ إلا ما كان رَشَحاً من أرواحنا طَرَقَ باب المنام فأجابه!
وأجوبُ الوقتَ أبحثُ عن الحليمِ فيه يُتيحُ لي منفعةً أجدها في انكبابي على الأثرِ العالقِ من البينِ في أضلعي بيدَ أني ما ألفيتُ وقتاً سمحَ أو سمِعَ بهذا!
وأعودُ أدراجي إلى الموطئ الموبوء الذي ما شفَعَ لي بالخيال الخصبِ أستزيدُ منه وسيلةً تُقِلُّني حيثُ ظننا الحسن في ألا نتأخرُ على أنفسنا أكثر من هذا، أعودُ إليه كمُغرمٍ ما ذهبتْ به الغفلة إلا عن ذاك الغرام فنبَّهته الأجزاء التي تشاكلت وتماثلت فيه وفي من عاد إليه جرَّاء ذلكم النداء الخفي، وهذا ما وقع عليَّ من هذه الأرض القاحلة الجرداء التي تشاكلتُ وإياها في كلِّ شيءٍ حتى في طلب المطر!
ولأنَّه الفصلُ الذي لم يأتِ بعدُ، فموعدنا ذرائعه حين تعبثُ الريحُ بأطراف ذاكرتي، وتقتلع السوافي جذور ما حال بيننا، ويلبس البردُ مِعطفَاً بلَّلَه رُضابُ الآخَرِ من كلِّ شيء، وحين تعبس العاصفة في وجه الليل فُتشيبُ رأسه آذِنةً بنهارٍ يقولُ: هيتَ لكُما!
هُناك حالما تتظلَّلين بالكامنِ من الشوق، والغابرِ من الحنين الذي لا يبطُل، سيأتيكِ البشيرُ وسيرمي بقميص الوعد فتنبعثُ رائحة المطرِ زاكيةً، وأمتطي سحابةً من جذوة قلبي يُطفِئُها اللقاء!

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

وكان الأمر


وكان الأمرُ على ما يشتهي الفضولُ منكِ، وكان أن انكشفتُ عليكِ فسقطتُ من البرجِ العاجي الذي صنعته خواطرُ غموضي في نفسك، وشدة جاذبيتي لكِ؛ إذ لم أكن بين يديك فتملكتني، تماماً كما يفقد الكاتب أو الأديبُ صورته البهيَّة المنعكسة عن أحرفه في صدور قرائه أو معجبيه ساعةَ أن يسمح لهم بالاقتراب منه أكثر، فيطلعهم على بعضٍ من الأمورِ التي لا تبرزُ إلا بإخفائها، ولا تُشتهى إلا حين أن تحاط بتمنُّع، فهي تُبتغى في كونها غامضةً لا واضحة!، فالقارئ مثلكِ في هذه الحالة لا يخرج إلا وقد غَنِم، وأدركَ بأنّ السببَ الذي بيني وبينه قد انتفى، وما من جديدٍ يبعثُ انكبابكِ عليَّ إلا أن أكونَ شخصاً آخر غيري!.
إيهِ يا هذه، أتذكرين تلك الورقةَ التي تقدَّمتِ بها إليَّ، مُطَلْسِمَةً بها إيَّاي حتى أكاد لا أعرفني، بل إنني وددتُ حينها أن ألتقي بذلك الكائن الذي ما كان إلا أنا ـ حسب قولكِ ـ فضلاً عن أن أقضي عمراً أفتخر بأن أكونه، بيد أني علمتُ فيما بعد بأنَّني ما كنتُ في ورقتكِ تلك إلا وسيلةً لغايتك فيَّ خارجها. وهذا معدودٌ في غياهب نفسك والآخرين من الطباع المحمودة التي نفدي بها نظراءنا في سبيل المحبة؛ وما ذلك إلا مما راق لكِ بعد أن راج عندكِ، والحقيقة بمنحى لا يتقاطع واعتناقكِ بهذا المبدأ، ولتعلمي بأنَّك صادقةٌ ولكن مع حاسة طمعكِ في أن أكون مطمعاً لكِ عبر صورةٍ ناظرتني بها بعين الجلالة، ومُحِقَّةٌ ولكن في انخداعكِ لهوى النفسِ الذي زيَّفنا إلى بعض؛ بيد أنَّ إفاقتكِ منه أجلى مما عليه صاحبكِ الآن، ويا حسرتي إذ كنتُ أجلدني بسياط الأسئلة التي أرى فيها أثرَ العطفِ ممزوجاً بلومٍ أعلمُ أنَّه لن يكشف عن سوءتي هذه؛ ولكنه أقرب إلى أن يكون ألماً راسياً عليَّ فيما بعد، وهو مما لا أوده من بواقيكِ التي أعودُ معها إلى أحلامٍ تحقَّقت على غيرِ دنياي هذه، وإلى قواعدَ ما خِلتُ أن يقوم عليها الكونُ يوماً ما؛ ولكنَّه القليلُ الذي ما أسكرَ كثيره يا هذه!. 
إيهِ يا هذه وقد مضى على ذلك العهدِ فِراقُ ما بيني وبيني الذي أخذتِهِ معك، فما أنا بعده في حلٍّ من نفسي ولا عنها؛ ولكنني أصطلحُ معها في ماضيكِ الذي يُنعشُ بربيعه ونسيمه حاضراً لا يأنسُ به قلبي ولا يألفه.
وإيه يا هذه وما أجمل الذكرى التي لا تتأتى إلا بكِ في زمنٍ كنتُ فيه فارس أحلامك، وصادقَ أيَّامِك، وآيةَ الواقعِ الأجمل، والذي بشأنهِ بقيتُ أنفسَ ما لكِ عندي!


السبت، 22 سبتمبر 2012

طلة بدر

كَبَسْمةِ شمسٍ على زَمْهَرِيْرْ

كَطلَّةِ بدرٍ وضيٍّ مُنيرْ

كَأوَّلِ آتٍ تَمَنَّيْتَهُ

تمهَّلَ حتى أتى في الأخير

مُحمَّدُ، قبْلَكَ في ناظري

فُلولٌ من اليُتْمِ حيثُ أُشِيرْ

فجئتَ تذرُّ بِعَيني الحياةَ

وتجبُرُ قلبَ أبيكَ الكسيرْ

فأطَلَقْتَ باليُمْنِ سِربَ الأسى

وأقْطَعْتني منكَ بشراً وفيرْ


نفثةٌ لابني ذي الأربعة أشهر.
( طلة بدر )
http://t.co/S7PwX78Y

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

أحِبُّكِ


 أُحبُّكِ، ولستُ أعلم إلى أيِّ مدى يتسع ذلك الحب؛ لكنني أجزمُ لك وأقسم بأنَّه بعيدٌ بعيد، وأنَّه يبلغ ألا يفضي به إلا لسان الضد من الاعتراف بذلك، وأنَّه إن ضاق عن كمونه وترقق جرى هزلاً على غيرِ الطبيعةِ التي تخشينها فيَّ حباً!
أحبكِ، وتبحثين عنها بين شفتيَّ في قواميسك التي ما كانت دقيقةً في إيراد ما يثبت ذلك من قول على فعل، فعدتِ تبحثين عن اليقين بشكك الغريزي، وما وجدتِ إلا لغتي على كُلِّ صفحة، بيد أنَّك لا يحيد نهمكِ عنها لا يحيد!
أحبُّكِ، وتعلمين أني مذ تملَّكتِني لا أرى لها وقعاً ولا وضعاً يفوق أني أتنفَّسُ معناها فيك، ولا زلتُ أراها كلفظةٍ ـــ تهجريني فيها أحياناً ـــ تقصر عن أن تشير إلى ما لا نهايةَ له من شعوري، وتضيق عن إطباق الروح التي تنبثق من شفتيَّ على عطفيها؛ ولكنَّك ـــ وفي هذه فقط ـــ ماديَّةٌ لا تشغلك المعنويات في النظرِ إلى ما وراء المحسوسات بقليل، ولا يستقرُّ في نفسك حينها ما كان راكداً في أعماق أعماقك بالأمس!
أحبُّكِ، وما كان دافع ذلك الحب أن أحببتني، لا وما كان ذلك المطرُ من العاطفةِ ليهطلَ تبعاً لطبيعةِ مشاعركِ نحوي، أبداً بل هو الطبيعةُ التي كنتُ أنتظرُ ـــ حدَّ الموت ـــ أن أحيا فيها، وأن أتجسَّدَ من خلالها، وأن أتخلَّقَّ بخلاقها الذي لا علَّة فيه، فكنتِ أنتِ مادة ذلك كُلِّه، وما ينبغي لي ـــ فديتُكِ ــ أن أفسِّرَ ما لا تفسير له، أو أن أخوضَ في ما لا يبلغ إليه علمٌ ولا منطقٌ حتى أضيء لكِ الجانب الذي اعتقدتِ أنَّه مظلمٌ، وما هو والله بذاك!
إنَّه الحبُّ وكفى. أجل يا غالية، هو ذاك الشيءُ الذي وضع على كُلِّ معنى من معاني الحياةِ قيمةً تتحرَّكُ به نحو الفضيلة، ودرجةً في سُلَّمِ الأفهام ترقى بها عن كُلِّ رذيلة،  وأنشأ حياةً أخرى في القلوب ماؤها ذِكْرٌ ولقاءٌ فَوَفاء!
أحبُّكِ، وأخشى من طبيعةِ الأنثى فيكِ ألا تفهمي ذلك إلا بعد فوات الأوان!
ذلك الأوان الذي لا جسد لي فيه ولا روح!
وأحبُّكِ!

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

أضاعوني / قصيدة

أضـاعـونــي فــتــىً أسْــمَـــرْ
بِـــــــلا رَسْـــــــمٍ ولا مَــنْــظَـــرْ
أكُــــنُّ الـلَّـيْــلَ فــــي رئــتـــي
فـأنْـفُـثُ فـــي الـهــوا عَـنْـبَــرْ
أضـاعـونـي ومـــا لِـلـصُّـبْـحِ
فــــي عَـيْـنــيَّ مِـــــنْ مَـعْــبَــرْ
ومــــا أنِــســـوا بِـمَـشْـكـاتـي
ولا نـظــروا إلـــى الـجَـوْهَــرْ
يَـضُـجُّ الـكَــوْنُ فـــي لُـغَـتـي
وصَمْـتـي فــي الـمـدى أوْقَـــرْ
وهـــذا الـشِّـعْـرُ مُـنْــذُ الـتَّـيْـهِ
مَــسْــفُــوْكٌ عـــلـــى الـمِــنْــبَــرْ
أمُــــجُّ الــخَــوْفَ، تَـلْـفِـظُـنـي
ذَرائـــعُــــهُ ولَــــــــمْ تَــظْـــفَـــرْ
ولــكــنِّـــي مِـــــــنَ الإقْـــــــدامِ
كُــــنــــتُ أفِــــــــرُّ لِـلْـمَــهْــجَــرْ
وفــــي بَـعْـضِــيْ حِـكــايــاتٌ
تَــشِــيْ بِالْـمُـجْـمَـلِ الـمُـضْـمَــرْ
وأسْــئــلــةٌ عـــلـــى كَــتِــفِــيْ
يَـــئــــنُّ بِـحَـمْـلِــهــا الــمِــئـــزَرْ
هُلامِيٌّ على شَفَتِي الجوابُ
ومــــــــــا لَــــــــــهُ مَـــــصْـــــدَرْ
أبِــيْــتُ عــلــى انْـكِـسـاراتـي
وأحْـــلُــــمُ أنَّـــهــــا تُــجْـــبَـــرْ
ولــكـــنِّـــي عــــلـــــى كُـــــــــلٍّ
مُــضـــاعٌ قَـــبْـــلَ أنْ أُكْـــسَـــرْ
أيـــا وطــنــاً وفِــيــكَ نُــــدُوْبُ
أحـــلامـــي غَــــــدَتْ أكْـــثَــــرْ
وذاكِــــــرَةُ الــبــقــاءِ عـــلــــى
ثَــــراكَ خَــبَــتْ ولَــــمْ تُــذْكَـــرْ
أنــــا ذاكَ الـفـتَــى الـمَـطْـمُــوْرُ
تَـــحْـــتَ ذَرِيْـــعَـــةِ الـمَــظْــهَــرْ
أمَـا خَـطَّـتْ أنامِـلُـكَ الرَّقِيـقَـةُ
رِحْـــــــلَــــــــةَ الـــمُــــضْــــطَــــرْ
قَـضَـيْـتَ عَـلَــيَّ فـــي سَـحَــرٍ
تَـمَـطَّـى بــــي ومــــا أسْــفَــرْ
أضاعـونـي عـلـى خُـطُــواتِ
أمْـــسِــــكَ لِــلْــغَـــدِ الأزْهَـــــــرْ
أضـاعـونـي ومــــا صَــبَــرُوا
عــلــى وَجَــــعٍ بَــــدا أنْــضَــرْ
أضــاعــونــي أضــاعــونـــي
أضـاعـونــي فــتــىً أسْــمَـــرْ


الأربعاء 11/4/2012

الأحد، 2 سبتمبر 2012

ما لكِ والشوك

ما لكِ والشوكُ، فإنه ما عَلِقَ بكِ، وما جُعِلَ بين يديكِ كميناً حتى تُعرِّجي على الأذى بدءاً من نفسك ثمَّ بي.
لِمَ كان ذلك اختيارَكِ الأولَ حال أن عانقتُ أملي الأخيرَ بكِ؟!
كنتُ آملُ لأني أذكرُ وأختزنُ لكِ من الجميل وحسن الظن ما نكس بكبير ثقتي فيك فأضحى ذلكم الخذلان دماً مفرَّقاً في تقاسيم وجهي. وفي الحقيقة لا أدري أأنا أتوجه بهذا الحديث لكِ أعاتبُك فيه، أم أصطنع لنفسي ذريعةً أصعدُ من فوقها على الحُطام الإنسانيِّ فيكِ لأُشرفَ على ما أظنه خيرَ ما بقي للأيامِ الخوالي فأمَسُّ منه ما اتَّفق معَ الحقِّ القديمِ الذي نُدينُ له بحلولنا في كأسٍ مزاجُهُ الحب ولا غير؛ أم أنني أرتدُّ بهذا الخبرِ إلى نفسي فألوككِ فيها بما لا يخالف هواي فيكِ؛ ولكن لا أخلو بهذا الخبر حين أخلو إلا غمزتُكِ فيه بما يتوافق وفاجعتي بالشمالِ التي تسقينَ بها جُرحي والله، ولا أرجو أكبرَ من ذلك إلا أن تكوني معي ساعة ذلك الخبرِ فأتبدَّل بغمزي عتبَ المُحبِّ على طول العهد، وخشيته من الوقتِ يذهبُ فيفتقدَكِ ثانية!
ولكنك لم تكوني معي منذ أن تسقَّطَ خريفُ مزاجِكِ ربيعَ عاطفتي الأولى، وإن كنتُ غضاْ فيه كما كنتِ إلا إنني قادرٌ على أن أغترف ما بين جنبيكِ وأتبيَّنَ ما جرى: كيف ومتى ولِمَ، عدا ذلك فلا أستطيع، وهو الأمرُ الذي ليس بمقدوري فيه حتى أن أشيرَ لكَ فيه على رأي، إلا ما كان على إثر عاطفتي.
يا ركزيَ الذي غرزته في خاصرةِ حزني المخبوء، ويا درعيَ التي اتقيَّتُ بها صروف الذاكرةِ ألَّا تخطِئني، كنتُ والله ما أصِلُ بفكرة بائسةٍ عما سيكون فيه الشقاق إلا وأنتِ غير داخلةٍ فيها ألبتة، وكنتُ مع ذلك التحليقِ ذي الريشِ الأسود أختلفُ على كل شيءٍ حتى نفسي؛ ولكنني لا أخفقُ بجناحي طائري فيك إلا وكان أبيضَ على أي وجهةٍ وكل جانب، فبالقدرِ الذي تجلَّت فيه قيمةُ انصهارِكِ في روحي كان الارتدادُ من الخذلان دماً مفرقاً في تلك التقاسيمِ التي اقتفيتِ بها أثرَكِ أنى أن بحثتِ عن نفسكِ ساعة ضلالة!
لا شيء يا ظلي الباهتَ يدعوكَ لأن تكشفَ لمن حولي على الذبول الذي يؤرقني سوى أن تقومَ مقامها فيما بعد، وإلا فالنَّيْلُ مني ليس بجديد ولا مستقر، وقل لها يا ظلي الموبوء طالما أشبهتها:
ما كنتُ أحسبُ أنها ستصدُّني / أو أنَّها عن قلبها تتمنَّعُ
لكنَّ فاتنتي أدارتْ ظهرَها / وتعززتْ فأبى عليها الموضِعُ
مبارك في 15/10/1433هـ

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

حاجة أهل القلم ما بين ( الفيس ) و ( تويتر )

كان على مرتادي الأدب إلى وقتٍ قريب في هذا الفضاء الإلكتروني اللجوء إلى المنتديات حيثُ المطابقة لمقتضى حال الكتابة في صفحاتٍ تنثني لمدادهم، ومساحاتٍ تتسع لعقولهم، وخاصةٍ تشاكَلَتْ أنفسهُم في هذا الطبعِ تنظرُ لتلك الموارد من الفكر ذاتَ النظرة التي تُلقى على عاتق أحرفهم قبل أن يكزوا بها خاصرة الورق، ولم تخلُ المنتديات في مُجملِ ما قدَّمت لهواة الكتابة ومحبي الأدب من قدحٍ في أشياء منها: الشللية، قلة التفاعل، اللبس في تصنيف نوعية بعض النصوص، ومقص الإشراف السلطوي الذي لا يعتمد على ساقٍ في كثيرٍ من الإملاءات التي يصبُّ بعضها في قالب شرط، وآخرَ في قالب عُرْفٍ لا يعرفه سواه، أقولُ وفي تلك التفاصيل التي وشمت يدَ المُجمل كان الناس على رضا في غالب الأمر، إلا أنه حينما انطلقت مراكب التطور التقني في هذا الفضاء واستُحْدِثَ فيه ما أفاد باستقلاليةٍ كالمدونات حتى رأيتُ جمعاً غفيراً انفضَّ إلى هذا الإفراد تاركاً بعضاً منه في المنتديات عيناً وعوناً في الإعلام عن هذا الوارد الجديد، وما كان هذا سيئاً أبداً غيرَ أنه في حاجةٍ دائبة إلى الإعلام بمكانه هذا ولن يتم ذلك غالباً إلا اعتماداً على الرجع القديم من أصدقائه أصحاب المنتدى، ثم ما لبثنا نحار فيما خَلُصَ نجياً من سباق تلك المركبة الفضائية بتطبيقين أساسهما التواصل الاجتماعي لا وصول الفكرة والخاطر، فكان ( الفيس ) و ( تويتر ).
أما أنا فلا أعرف إلا نفسي والحيرة التي تمخضت في اختياري لأيهما ألجُ؛ خاصةً وقد مضى على المنتديات عهدُ شقاقٍ بلغ الرؤية العينية لا الحسية من قِبَل الحضور فضلاً عن التفاعل،كما أنَّ من بحثنا عنهم من أشقاء القلم قد انشقوا بين هذا وهذا، وما إن دلفتُ إليهما وجاوزتُ في إبحاري بهما ما يربو على عامٍ حتى ترحَّمتُ على ما لن يعود من المنتدى، وما لم يأتِ ليحتضن هذه الأحرف الظامئة إلى ماءٍ عذبٍ تروي به مبانيها.
نعم، فالبلاغة ليست بالإيجاز المطلق الذي جاء به بلبل ( تويتر )، ولا في إنشاء حكمٍ تعتمد على البديع من الكلام جراء تقييد المائة والأربعين حرفاً، ومن ألمحَ إلى شَبَهٍ في هذا الشرط معَ الوزن في الشعر فقد صلى بغير وضوءٍ خلاف القبلة، فالوزنُ يقيد مبنى ولا يقيدُ معنى، وإلا ما فائدة الوحدة العضوية للقصيدة، والتضمين ـ وإن عُدَّ عيباً ـ، والاسترسال، كلها بخلاف ما قد يتوهمه من قال بهذا، ولا أُنفي نفع هذا التغريد فيما وُضع له، ولكني لا أخاله إلا منكفئاً عن الأدب في زجاجته، كما أنَّ إرجاع الحقوق من تعليقٍ وإعجابٍ في ( الفيس ) أمضُّ على من غَرَّدَ ولم يسمعْهُ أحد.
أتمنى أن أعثُرَ قريباً على تطبيقٍ يعي حاجة أهل القلم!