كان على مرتادي الأدب إلى وقتٍ قريب في هذا الفضاء الإلكتروني اللجوء إلى المنتديات حيثُ المطابقة لمقتضى حال الكتابة في صفحاتٍ تنثني لمدادهم، ومساحاتٍ تتسع لعقولهم، وخاصةٍ تشاكَلَتْ أنفسهُم في هذا الطبعِ تنظرُ لتلك الموارد من الفكر ذاتَ النظرة التي تُلقى على عاتق أحرفهم قبل أن يكزوا بها خاصرة الورق، ولم تخلُ المنتديات في مُجملِ ما قدَّمت لهواة الكتابة ومحبي الأدب من قدحٍ في أشياء منها: الشللية، قلة التفاعل، اللبس في تصنيف نوعية بعض النصوص، ومقص الإشراف السلطوي الذي لا يعتمد على ساقٍ في كثيرٍ من الإملاءات التي يصبُّ بعضها في قالب شرط، وآخرَ في قالب عُرْفٍ لا يعرفه سواه، أقولُ وفي تلك التفاصيل التي وشمت يدَ المُجمل كان الناس على رضا في غالب الأمر، إلا أنه حينما انطلقت مراكب التطور التقني في هذا الفضاء واستُحْدِثَ فيه ما أفاد باستقلاليةٍ كالمدونات حتى رأيتُ جمعاً غفيراً انفضَّ إلى هذا الإفراد تاركاً بعضاً منه في المنتديات عيناً وعوناً في الإعلام عن هذا الوارد الجديد، وما كان هذا سيئاً أبداً غيرَ أنه في حاجةٍ دائبة إلى الإعلام بمكانه هذا ولن يتم ذلك غالباً إلا اعتماداً على الرجع القديم من أصدقائه أصحاب المنتدى، ثم ما لبثنا نحار فيما خَلُصَ نجياً من سباق تلك المركبة الفضائية بتطبيقين أساسهما التواصل الاجتماعي لا وصول الفكرة والخاطر، فكان ( الفيس ) و ( تويتر ).
أما أنا فلا أعرف إلا نفسي والحيرة التي تمخضت في اختياري لأيهما ألجُ؛ خاصةً وقد مضى على المنتديات عهدُ شقاقٍ بلغ الرؤية العينية لا الحسية من قِبَل الحضور فضلاً عن التفاعل،كما أنَّ من بحثنا عنهم من أشقاء القلم قد انشقوا بين هذا وهذا، وما إن دلفتُ إليهما وجاوزتُ في إبحاري بهما ما يربو على عامٍ حتى ترحَّمتُ على ما لن يعود من المنتدى، وما لم يأتِ ليحتضن هذه الأحرف الظامئة إلى ماءٍ عذبٍ تروي به مبانيها.
نعم، فالبلاغة ليست بالإيجاز المطلق الذي جاء به بلبل ( تويتر )، ولا في إنشاء حكمٍ تعتمد على البديع من الكلام جراء تقييد المائة والأربعين حرفاً، ومن ألمحَ إلى شَبَهٍ في هذا الشرط معَ الوزن في الشعر فقد صلى بغير وضوءٍ خلاف القبلة، فالوزنُ يقيد مبنى ولا يقيدُ معنى، وإلا ما فائدة الوحدة العضوية للقصيدة، والتضمين ـ وإن عُدَّ عيباً ـ، والاسترسال، كلها بخلاف ما قد يتوهمه من قال بهذا، ولا أُنفي نفع هذا التغريد فيما وُضع له، ولكني لا أخاله إلا منكفئاً عن الأدب في زجاجته، كما أنَّ إرجاع الحقوق من تعليقٍ وإعجابٍ في ( الفيس ) أمضُّ على من غَرَّدَ ولم يسمعْهُ أحد.
أتمنى أن أعثُرَ قريباً على تطبيقٍ يعي حاجة أهل القلم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق