هي سبع حكايات أو قصص كما قد ذُّيل في الغلاف الأخير للكتاب، ويخطئ المترجم أو من قدم لها بأنها تصلح وهي قصص أن تكون فصولاً لرواية قد يكون ترابطها ضعيفاً أحياناً وقوياً أحياناً أخرى، لأنها وإن تشابهت بعض شخوصها الأبطال وظروفهم وأقدارهم إلا أنها في مجملها لا تمتلك رابط الرواية الذي يعود بتفاصيل تلك الحكايات إليه عبر بناء منطقي، وحبكة متقنة جداً، واضح أن المؤلف لم يفكر حتى هذا التفكير الذي عُرض من المترجم، حتى وهو يجعل من الضياع والانعزال عنواناً صريحاً لقصصه وأبطالها.
حملت الحكايات في أغلبها طابعاً تأملياً فلسفياً على لسان البطل السارد ينقل فيها على ما أظنُّ رؤية المؤلق الفلسفية حول تجارب قد تشي بسيرته في الحياة ببعضٍ منها كان قد خاضها، خصوصاً في الدراسات السياسية والتي قد تحدث عنها في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي "، بشكل واضح، كما أنه أوغل في التأمل الواقعي من خلال عزلة شخصياته وتفضيلهم عدم الاحتكاك بالمجتمع والاحتكام إلى الكائنات الحية التي من الممكن ألا تشعرك بالوحدة نسبياً؛ لكنها على كل حال لن تستطيع أن تنزعك من الوحدة الحقيقية التي تشعر بها في قرار نفسك.
كان مارك دوقان يبدع أكثر كلما طالت صفحات الحكاية خصوصاً في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " وهذا يدل في اعتقادي على النفس الروائي الجلي عنده، بينما يكون غامضاً أكثر كلمَّا قلَّت الصفحات واقتربت أن تكون قصةً قصيرة، كما في " إيلين " خلافاً لـ " حباحب اليشم " فإنها رغم قصرها إلا أنَّها تأخذ ملمح رواية في التفاصيل الواسعة على بنائها.
اقترب كثيراً من العرب ولا أدري هل لأنَّ فرنسا تختص بتلك الجغرافية القريبة من بلاد المغرب العربي، وأنها تحمل في جوفها أطناناً كثيرة من العرب المهاجرين من ذات المكان، كانت المغرب مكاناً لقصة " فيتامينات الشمس " والعراق صورةً في مشهد تلفزيوني من قصة " مونبارناس " ، والجنس العربي معرضٌ به ومتهم في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أم لأنهم قضية العالم الوحيدة التي تلتصق التصاقاً وثيقاً بالحروب منذ فلسطين عام 1948م إلى اليوم. لأنَّ المشهد العراقي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر تعني هذا.
الحكايات في مجملها جيدة جداً إلا ما كان في المبالغة الدرامية وإقحام الحاسة البوليسية في " فيتامينات الشمس" لأنه لم يكن من المنطقي أن يظل التنصت لسنوات من قبل قاضية، ثم معرفة ذلك كله من قبل المسرحي الذي لم يندهش لأنه يعرف فينتقل بفعل الدهشة إليها.
كان في " طيبة النساء " موطناً خصباً للخيال استطاع به توظيف بعض تقنيات القصة، ولو أنّه استخدمه لرواية أظنه سينجح بالتأكيد.
أبطاله يحملون مؤهلاً نخبوياً في الغالب، هناك الناشر والمؤلف في " طيبة النساء " والرسام " في ريح الشرق " والمنتقل من التشرد إلى الاختراع في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " ومؤلف مسرحي في " فيتامينات الشمس، ما عدا بطل " مونبارناس " الذي يشغل مهنة ناقد طهي في وجهة نظري.
المجموعة ثريةً بالفنَّ القصصي والروائي الذي أعطاها نكهة وإن لم تتصف به. كان مارك دوقان من فوق الغيوم ممتعاً باختصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق