السبت، 24 أغسطس 2013

فَضُلَت ولكنْ في الرَّذيلة


تعرَّفَتْ عليه في إحدى غُرف المحادثات الكتابية الإنترنتية. راق لها هزلُهُ، وأعجبها جِدُّهُ، فَحَسُنَ له حديثُها، وزانت له الحكمةُ الضالة من أسلوب تعبيرها المنمَّق، فاستظرفتْهُ واستلطفها حتى جرى منها بموضعِ جرت عادةُ من مثلها فيه بأنْ تملأ به الشاغِرَ منها، لتشغل من وقتِ فراغه شيئاً مسَّ فيه غريزة لم تشبعها تلك التي سكنتْ قلبه.
صدقته حينما قالت له بأنَّها متزوجةٌ ولديها طفلان، بينما كذب هُو حينما أجابها عن عدم ارتباطه بفتاة قط، بل ظنَّ أنَّها إنَّما تضيَّق عليه بسؤالها ذاك؛ ولكنَّها في حقيقة الأمر لم تكترث بفكرة الارتباط من عدمها؛ وما سألته إلا لفضولٍ عابر، أو لشيءٍ هو من بواعث تحقق ذلك الرجل من صدق ميلها إليه في جانبٍ عَلِمَ به بعد أن مضت أربعةُ أشهر؛ عندما طلبت منه بأن يشدُّ الرحال إليها، وهو من تعرف نزقَهَ وطيشَه في أن يفعل ما هو أكبر من ذلك.
لم يمنحها لحظةً من التفكير بالعدول عن رأيها، بل توجَّه إليها قاطعاً المئات من الكيلومترات، وهو على شمس من الأمل لا تغيب في أن ينعمَ بالجحيم الذي أصبح جنَّةً في عين شهوته، وهو الذي أمِنَ تغليق أبوابها عن زوجها البائس الذي ارتبط مع عمله في نوبةٍ لمدة أربع وعشرين ساعةً، استجمع لها قُوَّةً من نومٍ، وكَنَزَ لها طاقةً من راحة؛ فمضى في سبيل رعاية أسرته، وأن يؤمن لهم حياةً كريمة؛ ولكنَّه ما عَلِمَ بأنَّ ذلك الأمان الذي ظنَّ أنَّه مطوِّقٌ لأسرته؛ إنَّما يُقيَّدُ عليهم دونه بحضرةِ رجلٍ غريب، وما رواحه ذاك إلى عمله إلا كَدٌ في عرضه، وشرفه، لا في بَدَنِهِ وقوته!
وثُّمَّ إنَّه ليس إلا أن قيل للغريب: هيتَ لك!

وليس بأولى من أن يُلام، ويهوي من سماء الفضيلة سوى تلك المرأة التي لولا أن ارتضت على نفسها؛ لَما انتُهِكَ عِرضٌ، وذهب شرف، واهتزَّ عرش، وَلَما تلطَّخَت الدنيا بدم العفاف، وأنا حينما أتحدث بهذا أحيل الاغتصاب الذي هو شأنٌ آخر خارج هذه الورقة، لنكون على بيَّنةٍ من أمرنا؛ ولئلا يقذفنا من لا يفهم في هذا الحديث إلا التطرف الذكراني ضد النساء، وتعليق رذائل الأمة في جلباب المرأة، وهوى نفسها؛ حتى لو لم تُرخِه عليهما؛ ولستُ لأقِفَ موقفي هذا ضغينةً، أو تتبعاً لمعايب أجتزئ منها ما يؤكد تلك الضغينة؛ ولكنَّه الألم الإنساني الذي اهتزَّت له مشاعري في هذه القصة. وقد بَلَغ بي الحَزَن مبلغه حينما تفكَّرتُ في حال الزوج الغافل، وفي عيونٍ بريئةٍ لطفلين لم يُغمضْهُما القليل من حياء تلك الأم التي نَزَعَتْ مِنْ نفسِها صفة الأمومة، وأقرَّتْ أن تصبح مدرسةً؛ ولكن على الضفاف الآخر مما قاله شوقي، وهي لا تفتأ عن أن تكون بمنأى عن فضيلة إعدادها وتخريجها لشعبٍ صالح لا يحتمل معه طفلين أبت تلك السيَّدة أن تمنحهما نظرةً لا تكسرها حادثةً عابرة من حوادث الأيام؛ وزوجاً ما حَفِظَتْ له غيباً، ولا راعت له غفلةً ما كانت لتكون إلا رعايةً لها في وظيفته التي رزقهم الله بها. ولا كانت محلاً لثقته التي أولاها إليها في أن تنوب عنه؛ ولكنَّها ما استطاعت إلا أن تغدُر به في مقامه، وأن تخون أول ما تخون نفسها، وأن تنكث العهد الذي أبرمه الحياء مع النساء، وأن تطفئ غضب العفاف بماء خضوعها لشهوتها، وأن تسعى في خراب بيتها.
وقد يقول قائلٌ شغوفٌ بخلق الأعذار، بأنَّها إنَّما فَعلت ذلك تلبيةً لحاجةٍ جنسيِّةٍ ما قضاها زوجُها لها، أو أنَّه ما أتى على تمامها. وقد يقولُ آخر بأنَّ الفراغَ غوايةٌ لها فيما أقدمت عليه! وليس لذلك وجْهٌ وقد قيل:" لا عُذرَ في غدر".
وإن أخذنا تلكم الأعذار مأخذاً صادقاً للبحث عن سببٍ وجيه، فلن نُكَذِّبَ إلا عقولنا؛ لأنَّ المعاني التي تبْرِزُ لنا الشرف والعفاف والحياء والوفاء؛ إنَّما يكونُ سبُبُها من المرأة. ولا تزال تلكم المعاني في شَرَفٍ وفضلٍ ما استَقَرَّتْ روحُ المرأة بين جنبيَّ ألفاظها، الأمر الذي يُخَلِّدُ في تلك الغايات النبيلة، والمقاصد السامية افتقاراً إلى طبيعةِ تلكم الروح التي إن اعتورها نقصٌ، وأرمضها خللٌ فما هي إلا أن تتولَّد معاني الفسق والفجور والغي؛ فلذلك لا يُبَرَّرُ عن الكبير بما هو أصغرُ من صغيره، ولا يُعتذرُ عن العلو بما هو دون دونهِ في المنزلة، ولا يُبحَثُ عن سببٍ لسبب؛ وعليه فليس للمكتسَبات يدٌ على المرأة؛ لأنها هي من تسقي تلك الأشياء مِن خلائقها وطبائعها؛ إن فضيلةً وإن رذيلة!
كما أنِّي أتمنى أن أقَعَ على الكيفية التي تَمَكَّن بها نساء المسلمين من أن يَحْفَظْنَ فروجهنَّ، ويَصُنَّ أعراضَهُنَّ، وَأنْ يَكُنَّ سِمَةً للعفة والشرف؛ برغم الدواعي التي تضعفهنَّ الضَعْفَ الذي كان قوةً في تلك المرأة الخائنة؛ أقول أتمنى أن أقع على تلك الكيفيَّة حتى أجِدُ لصاحبتنا باباً تدخُل فيه؛ ولكنني أنكفئُ إليها وقد كفاني طِيْبَهُنَّ عناء ذلك!

اللهم احفظ نساءنا ونساء المسلمين يا رب العالمين، واجعلنا وإياهُنَّ مؤمنين صالحين، ولا تجعلنا فيهنَّ من المغبونين، ولا عنهنَّ من الغافلين!

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

حدِّثيني

حدثيني، حدثيني عن موقع الأيام من نفسك حين أغيبُ فيها عنكِ، هل ترينها أياماً من الزمن، أم زمناً من الأيّام؟!

أمَّا أنا فلا أظنُّكِ في الهوى تلقيكِ رياحه حيثُ شاءتْ كما تفعل بي؛ إذ إنني لا أعملُ فكري إلا في نظرٍ لما يصدرُ منكِ إن حدث بيننا سكنُ عاطفةٍ وتأجج أخرى، أو حين تطمرين مشاعرَ لا أرانا بطمرها ممن يتمرغ في نعيم التيم، فتصمتين صمتاً أعود فيه إلى كُلِّ ما يثبتُ أنك تبادليني به الشعور نفسه، فأراه برؤية من في قلبه مرضُ الشك، وفي عقله عافيةُ يقينٍ بهذا الشك، فما أنظرُ للأفعال التي كنتُ أحتجُّ بها على تفردي لديك إلا أنَّها يشترك فيها معي غيري ممن هو دون مني منزلة، وأنني بعاطفتي لأحكم على نفسي بهوى لا تتداعى له سائر الإنسانية بالسهر والحمى، إذ إنَّه من قلبٍ زاد على أن يكون أعمى، بأن وهى حدسهُ، فما ناظره إلا حدسُه، وما ماثله وكافأه سوى ما خرجَ منه، وهو ذات ما دخل فيه من طبيعة وكينونة؛ ولكنني أنشدُ الواقع فيما بعد ذلك، وأستشير ثقةً فيما بين عقلي وقلبي، أعود معهما أزفرُ خوفاً وقلقاً واضطراباً كان اعتدال الهوى باعثهم منكِ لي، فما أكاد أنتشي حتى يسابقني انكماشك، وما أكادُ أضيقُ حتى تسعينني حباً، فلله تاسعُ جدٍّ أنتِ منه!
ووالله إنِّي لا أشعر بغايةٍ للذتي في عشقك، وبآخرَ في التعبير عما أكنه لكِ سوى أنْ أشتمكِ شتيمةً عالقةً بطيفكِ إن غبت، وحين تتوسَّط بيننا عُقَدُ الأنفاس التي تنبعث من ولهنا في الاقتراب حتى نسكنُ بعضنا، وهذا ضعفُ المُحِب إن أردتِ الحقيقة، وليس هو ـ أي المُحِب ـ إلا أنا في ما شرع قلبانا به، إذ إنَّه لا يستطيع إلا أن يسيلَ كُله في بعضٍ من نزف، وهذا من تمامِ ما يشعر به، في حينَ أنَّ قوتك وارتكاز عقلك بعاطفتك؛ حاصلٌ ونتيجةٌ لذلك الوهن الذي بدا مني، فأنتِ أبداً يدُ الحب هذا وما أنا منه إلا خاتمٌ في تلك اليد!

يقول الحكماء أو الفلاسفة، بأنَّ من أحبَّك على شيءٍ أبغضك على فقده، وإنني حينما أفهم تلك العبارة تمام الفهم، أرى فيها غير شيءٍ من الصحة، وتوفيقاً وتسديداً حينما تكونُ الدوافع أغلب ما تكون بهيمية، لا ترتفع بذاتها عن تلك المنزلة، إلا بقدرٍ أطلبُ فيه منك بعضاً مما أعطيك؛ وهي ـ أي الأعطيات ـ ليست رجعاً مني، أو منحاً من رضا نفسك، بقدر أن أرى رسْمَ ذلك العطاء، وقد حملتهُ تباشيرُ وجهك، فاصطنعت له روحُك تاجاً من العرفان، والإكبار، ومعرفة ما لي عندها لا أكثر!
عدتُ بذاكرتي إلى بواكير لقائي بكِ في هذه الدنيا التي تفضلَّت علي بأن جمعتني وإيّاكِ في موطئٍ من مواطئ إيثارها، فما وجدتُ باعثاً منكِ إليَّ فطنتُ له سوى اقترابك مني، واهتمامكِ بي، وما أظنُّ إلا أني أحببتُ محبتكِ لي بدءاً، ثم انخرطتُ في سلكِ روحك حتى لا أعرف لي منه مخرجاً، وإن كنتُ شحيحاً في إيجاده. صحيحٌ أنَّ عينيكِ بهما من الجمال ما يغني ملامحك الأخرى عن أن تكونُ لذاتها؛ ولكنها لم تنادني نداءً علنياً، وإن كان في نفسي من ندائها الخفي شيءٌ ما علمتُ كنهه؛ على أنني أجزمُ بأنها لم تكن أمَّ انشغالي بك. وأنا إن أحببتُ روحك، فلجذبٍ كان منها لي، فما أحببتُ قبلاً إلا حاشيةً حففتِني بها من اهتمامٍ والتصاقٍ على غير تهيئة، ودخولٍ في حياتي من أمام ما لا وعْيَ لي به، ومن خلف ما أعي، فكنتُ الآخِذَ الذي لن يزالُ مأخوذاً من بعدُ، وهذه هي التصاريف، حتى في الحب، فمتى ما أقبلتُ كلي، أدبرتِ كلكِ إلا شيئاً يسيراً يبقي على كبير ما بيني وبينك، ومتى ما لوَّيتُ بقلبي: إمّا نافراً مما بدر منكِ، أو متعززاً كطبيعةٍ اكتسبتُها منكِ، حتى أعودَ متأججاً أكثر مما كنتُ وإن كان بقليلٍ إنسانيةٍ تعطفين بها عليَّ، وهذا لا يعني أنَّكِ تهمليني آن أن تشعري مني ببوادر بعد؛ بل إنَّكِ لو تثابرين في القرب الذي يلتهب حين ابتعادي، أو تأخري، لكنتُ وإياكِ في علاقةٍ طردية لا عكسية!
وأنا على ذلك ومنه لا أدري ما الذي أحببتُه فيكِ، لأبغضكِ على فقده، فدعيني والفلاسفة في كفةٍ وقلبكِ في كفة لأرى، وسأعود في غير ما قلت، وهذه ليست سوى سابقةٍ، فانتظري!