الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

حدِّثيني

حدثيني، حدثيني عن موقع الأيام من نفسك حين أغيبُ فيها عنكِ، هل ترينها أياماً من الزمن، أم زمناً من الأيّام؟!

أمَّا أنا فلا أظنُّكِ في الهوى تلقيكِ رياحه حيثُ شاءتْ كما تفعل بي؛ إذ إنني لا أعملُ فكري إلا في نظرٍ لما يصدرُ منكِ إن حدث بيننا سكنُ عاطفةٍ وتأجج أخرى، أو حين تطمرين مشاعرَ لا أرانا بطمرها ممن يتمرغ في نعيم التيم، فتصمتين صمتاً أعود فيه إلى كُلِّ ما يثبتُ أنك تبادليني به الشعور نفسه، فأراه برؤية من في قلبه مرضُ الشك، وفي عقله عافيةُ يقينٍ بهذا الشك، فما أنظرُ للأفعال التي كنتُ أحتجُّ بها على تفردي لديك إلا أنَّها يشترك فيها معي غيري ممن هو دون مني منزلة، وأنني بعاطفتي لأحكم على نفسي بهوى لا تتداعى له سائر الإنسانية بالسهر والحمى، إذ إنَّه من قلبٍ زاد على أن يكون أعمى، بأن وهى حدسهُ، فما ناظره إلا حدسُه، وما ماثله وكافأه سوى ما خرجَ منه، وهو ذات ما دخل فيه من طبيعة وكينونة؛ ولكنني أنشدُ الواقع فيما بعد ذلك، وأستشير ثقةً فيما بين عقلي وقلبي، أعود معهما أزفرُ خوفاً وقلقاً واضطراباً كان اعتدال الهوى باعثهم منكِ لي، فما أكاد أنتشي حتى يسابقني انكماشك، وما أكادُ أضيقُ حتى تسعينني حباً، فلله تاسعُ جدٍّ أنتِ منه!
ووالله إنِّي لا أشعر بغايةٍ للذتي في عشقك، وبآخرَ في التعبير عما أكنه لكِ سوى أنْ أشتمكِ شتيمةً عالقةً بطيفكِ إن غبت، وحين تتوسَّط بيننا عُقَدُ الأنفاس التي تنبعث من ولهنا في الاقتراب حتى نسكنُ بعضنا، وهذا ضعفُ المُحِب إن أردتِ الحقيقة، وليس هو ـ أي المُحِب ـ إلا أنا في ما شرع قلبانا به، إذ إنَّه لا يستطيع إلا أن يسيلَ كُله في بعضٍ من نزف، وهذا من تمامِ ما يشعر به، في حينَ أنَّ قوتك وارتكاز عقلك بعاطفتك؛ حاصلٌ ونتيجةٌ لذلك الوهن الذي بدا مني، فأنتِ أبداً يدُ الحب هذا وما أنا منه إلا خاتمٌ في تلك اليد!

يقول الحكماء أو الفلاسفة، بأنَّ من أحبَّك على شيءٍ أبغضك على فقده، وإنني حينما أفهم تلك العبارة تمام الفهم، أرى فيها غير شيءٍ من الصحة، وتوفيقاً وتسديداً حينما تكونُ الدوافع أغلب ما تكون بهيمية، لا ترتفع بذاتها عن تلك المنزلة، إلا بقدرٍ أطلبُ فيه منك بعضاً مما أعطيك؛ وهي ـ أي الأعطيات ـ ليست رجعاً مني، أو منحاً من رضا نفسك، بقدر أن أرى رسْمَ ذلك العطاء، وقد حملتهُ تباشيرُ وجهك، فاصطنعت له روحُك تاجاً من العرفان، والإكبار، ومعرفة ما لي عندها لا أكثر!
عدتُ بذاكرتي إلى بواكير لقائي بكِ في هذه الدنيا التي تفضلَّت علي بأن جمعتني وإيّاكِ في موطئٍ من مواطئ إيثارها، فما وجدتُ باعثاً منكِ إليَّ فطنتُ له سوى اقترابك مني، واهتمامكِ بي، وما أظنُّ إلا أني أحببتُ محبتكِ لي بدءاً، ثم انخرطتُ في سلكِ روحك حتى لا أعرف لي منه مخرجاً، وإن كنتُ شحيحاً في إيجاده. صحيحٌ أنَّ عينيكِ بهما من الجمال ما يغني ملامحك الأخرى عن أن تكونُ لذاتها؛ ولكنها لم تنادني نداءً علنياً، وإن كان في نفسي من ندائها الخفي شيءٌ ما علمتُ كنهه؛ على أنني أجزمُ بأنها لم تكن أمَّ انشغالي بك. وأنا إن أحببتُ روحك، فلجذبٍ كان منها لي، فما أحببتُ قبلاً إلا حاشيةً حففتِني بها من اهتمامٍ والتصاقٍ على غير تهيئة، ودخولٍ في حياتي من أمام ما لا وعْيَ لي به، ومن خلف ما أعي، فكنتُ الآخِذَ الذي لن يزالُ مأخوذاً من بعدُ، وهذه هي التصاريف، حتى في الحب، فمتى ما أقبلتُ كلي، أدبرتِ كلكِ إلا شيئاً يسيراً يبقي على كبير ما بيني وبينك، ومتى ما لوَّيتُ بقلبي: إمّا نافراً مما بدر منكِ، أو متعززاً كطبيعةٍ اكتسبتُها منكِ، حتى أعودَ متأججاً أكثر مما كنتُ وإن كان بقليلٍ إنسانيةٍ تعطفين بها عليَّ، وهذا لا يعني أنَّكِ تهمليني آن أن تشعري مني ببوادر بعد؛ بل إنَّكِ لو تثابرين في القرب الذي يلتهب حين ابتعادي، أو تأخري، لكنتُ وإياكِ في علاقةٍ طردية لا عكسية!
وأنا على ذلك ومنه لا أدري ما الذي أحببتُه فيكِ، لأبغضكِ على فقده، فدعيني والفلاسفة في كفةٍ وقلبكِ في كفة لأرى، وسأعود في غير ما قلت، وهذه ليست سوى سابقةٍ، فانتظري!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق