الخميس، 7 نوفمبر 2013

خاطر الفجر

أطبقت على صدري الأضلاع، وكادت أن تخرج نفسي لشدّة تلك الضمّة، فلا أنيس من الأفكار يبهجها لترجع، ولا صوتَ عقلٍ لديها لتقنع.
أمَا وإنّ زفراتي زفرات مكلومٍ لا دواء له، وعبراتي عبرات مهمومٍ لا فرج له، وإنّي حينما أرى ذلك من نفسي أعود فأقرعها بمزيد من الإيمان الذي لولا أن ضَعُفَ؛ ما صنعتُ الذي تصاغرتها بشأنه، ثم أعود معها، فأرجع عنها إلى أن نفترق ويقضي الله أمراً كان مفعولا.
أيا قَلِقَةً بما لا أخاله قَلِقَاً، هل أدلُّكِ على ما هو خيرٌ لكِ ولي؟
نتحاور؛ لننظر مواطن القصور بنا، فنصلحها ونقوّم معوجّها، فإنّا لا يَحْسن بنا أن نتخاصم أبد الدهر ونهلك جوارح هذا الجسد فلا تتحقق رغبات كلٍّ منّا؛ بدافعٍ من العناد والهوى.
لا أرى لهذا الحزنِ سبباً، وإنّ ما خلّفتِه في بؤبؤ العينين من وَلَهٍ لحجّةٌ عليكِ لا لك.
أوَ تحسدين الجاهل بما حصلّتِه من علمِ واختزنتِه وكنزتِه؟! إنّكِ والله لم تتجاوزي أن تكوني مثله إن لم تَكُنِيْ أجهل منه؛ ذاك لأنه لا يعلم ما هو فوقه ولا ينشغل بما هو دونه، وإنّما يعرف ما يعنيه فيعتني به متجاهلاً غيره، فلعمري قد أنصف نفسه وما أنصفتِني إذ وهبتُ لكِ أضعاف ما وهب لنفسه، كيف لا؛ وقد انشغلتِ بالتوافه، وفترتِ عن التطلّع، فلم يعد لما يعنيك معنىً بينهما!

أتحاجّين زجري بشفافيتك؟! وتشتبهين في حبّي بتعقيدك ؟! وتتوهّمين ضعفي بتأييدك؟! وترين غلبتي بتبخيسك؟! وما ذاك إلا لمداراةٍ ومدّةٍ أرجأتكِ فيها؛ لتتحرّكي دون وازع منّي، ولتتحرري دون عتقٍ من أحد، ولتُقَدِّري ما أمَّلْته فيك.
أمّا زجري، فلا يخلو من إقالةٍ لعثرةٍ تكررت، فناسب أن أزجر بعد أن صمتُّ في الأولى، وعلّمتُّ في الثانية، وصبرتُ في الثالثة.
أمّا حبّي، فمن ذا الذي لا يحبّ نفسه، غير أنّي طغيت به حتّى أفضتُ به على الغير.
وأمّا ضعفي، فلاأراه إلا حلماً أوشك أن يغضب، وما عِلْمكِ به إلا كعلم الجاهل بما لدى العالم، وإنّي والله لقادرٌ على أن أوثّقكِ وأسيّركِ طائعةً راهبة إلى حيثُ أريد وسأفعل ما دمتِ على ذاك.
أمّا غَلَبَتي، فإن لم تكُ لكِ فلمن ستؤول ــ ويحكِ ــ حين تحقِّريها، أمَا كابدتُ الأهوال، وسهرتُ الليالي، وشققتُ الصعاب لأجلك ولأجل سلامةٍ في رأيك وافقتكِ عليها، أَوَ تتنكّرين لي بعد ذلك؟!

أيا حائرةً بما لا أراه محيّراً، اعرضي لي ما تخفينه دوني، فإنّي لا أعلم منكِ إلا ما أطلعتني عليه، واعلمي أننا ما إن نضع نقطاً على الأحرف، سنعرف ما تعني. ولا تبهمي في رغبةٍ فأعجزُ عن كشفها، ولا تطمعي فيما ليس لي عليه يدٌ فتهلكي بتهلكتي، وإنّي والله لأرى فيكِ طمعاً؛ آملُ أن تبلّغيني به إلى الجنّة، وهذي يدي!

هناك تعليق واحد:

  1. قرأتُ مرةً أن المصائب نعمة على الأدب، نقمة على الأديب.
    والحزن الذي خلف وراءه هذا النص الذي أرى فيه بعض الدروس هو حزنٌ عظيم.

    ردحذف