أجادت لطفية الدليمي جمع هذه
الحوارات ودمج هذه التجارب المضيئة لعدد من مبدعي كتابة الرواية، كما أنها أجادت
تقديم هذا العمل والتمهيد له وترجمته كذلك. تعريفها للرواية ـــ بأنها أداةٌ
معرفية قائمة على حرية الفكر والنزوعات البشرية والتحولات المجتمعية ـــ يشير إلى
أنها تقف في هذا الفن بأقدام راسخة استطاعت عن طريق ثباتها هذا وإدراكها ذاك أن
تبعث في نقل هذه الحوارات من لغة إلى أخرى روحاً محلقة من المعنى المشترك بين
اللغتين.
من بين ثمانية عشر روائياً كنت قد
قرأتُ لساراماغو وأليف شفق، وكولن ولسون كتاباً نقدياً عن فن الرواية.
توزيع لطفية الجغرافي كان جيداً
ولم يكن له منهجاً معيناً حتى نقيسه على قيمة ليست مفقودة. نزعة أدباء أمريكا
اللاتينية إلى الفلسفة بناءً على واقعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي غير
المستقر الذي ساهم بشكل أو آخر كذلك في انطباع كتاباتهم بحقيقة ذلك الواقع، وكثافة
أمانيهم في أن يتطور أكثر، أقول تلك النزعة بدت واضحةً في هذا الكتاب أيضاً من
خلال أدبائها غاليانو، وفالنسويلا، والمكسيكي كارلوس فوينتس، والبرتغالي ساراماغو.
طريقة الكتابة أو نهجها الذي يتبعه
أولئك الأدباء من انضباط صارم أشعرُ أنه يعبر بطريقةٍ ما عن طبيعة حياتهم وطريقة
معيشتهم، فحولوها بناءً على تلك الطبيعة إلى مهنة كبقية المهن تعوز إلى النظام
والالتزام، وهذا لا ينفي موهبتهم وتفوقهم ـ في الرواية خاصةً؛ بيد أنه قد لا ينسجم
تماماً مع أمزجتنا نحن العرب، ليس تواضعاً أو عظمةً لجنس دون آخر، ولكن لاختلاف الطبع
والثقافة والحضارة والجغرافية، وقد أكد الجاحظ وغيره من أدباء العربية على معناي
هذا الذي أردت من طرقها في سوانح المزاج حتى لا تكون صنعةً وتكلفاً لا روح فيها،
وهذا يخالف مقتضى الانضباط إذ يستحيل أن يكون المزاج سانحاً كل الوقت؛ لكن هذا
وبشيءِ من الوسطية يعني أن تنضبط في الكتابة انضباطاً لا يستغلق به مزاجك، ولا
تتعرض كتابتك في حرصك على حضوره إلى الإهمال فتموت قبل أن تحيى.
ساراماغو بدا كئيباً وهو يتحدث عن
أعماله وعن الأدب وعن طريقته في الكتابة، لا أدري ربما كان هذا ضريبة زيادة الوعي
واتساع الثقافة.
فيليب روث يعترف أن الكتابة حرمته
من أشياء كثيرة، كما أنها في سهلها الممتنع جحيماً مستديماً لا يوده مصيراً للشاب
المقبل على الكتابة.
إدواردو غاليانو بدا كمرشدٍ ديني
في إضفاء طابعه الفلسفي وحكمته على تجربته في الكتابة وهمه الوطني الذي سيظل
مؤرقاً له إلى ما لا نهاية.
كارلوس فوينتس، مثقف واقعي وكاتب
مجيد في مهنته يعرف كيف يمارسها ويحرص على ألا يحدث بينهما شقاق، يقول في الكتابة:
" أراها حواراً مع الثقافة الخاصة للكاتب ومع الحضارة التي ينتمي لها ومع كل
الأشياء التي يعرفها ويتذكرها".
أليف شفق تبدو طموحة، تسير بخطى
ثابتة، لم تكوَّن فكرةً كلية نهائية بعد.
لم يتغلب موراكامي على صراعه مع
نفسه في انتمائه إلى الثقافة التي يكتب بها، يتمنى أن تكون يابانية؛ لكنها في
الحقيقة ليست ككتابات اليابانيين ولا ثقافتهم.
أعجبني عشق باموق للكتابة، أجد ذلك
واضحاً في إجاباته لا يحتاج إلى استنباط، تشغله تركيا، يودها لو تحتذي الثقافة
الغربية الأمريكية خاصة. كما أن من اتهم أناييس نن على نرجسيتها في هويتها
الأنثوية ليس مخطئاً تماماً من وجهة نظري فيما عرض من حوارها.
دوريس ليسنغ روحها تحيط بالقارئ،
تثق بنفسها كثيراً، تأثرت بالصوفية الإيرانية.
كالفيانو أستاذ حقيقي، يقول من ضمن
إجاباته: " الروائيون يحكون عن ذلك الجزء من الحقيقة القابع في قاع كل كذبة.
أحببتُ مارغريت أتوود وودتُ لو
وجدتُ لها عملاً مترجماً.
في النهاية هناك دائماً شيء صغير
ينطلق الروائيون منه في الكتابة، سواءً أكان ذلك الشيء فكرة طارئة، أو صورة، أو
غير ذلك، وهو هو البذرة الحميمية التي تنمو فتكبر وتتفرع إلى أن تصبح رواية. هذا
ما يقوله الروائيون دوماً ويتفقون عليه.
كتاب يضيف لمكتبتك رونقاً وأناقة
ولعقلك تجربةً ومعرفةً ثرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق