الاثنين، 9 نوفمبر 2020

حدثيني

 حدثيني، حدثيني عن موقع الأيام من نفسك حين أغيب فيها عنك؛ هل ترينها أياماً من الزمن! أم زمناً من الأيام؟!

أمَّا أنا فما زلتُ تلقيني رياح الهوى حيث شئتِ وشاءت، ولا زلت ألتذُّ وألتاع كلما أعملتُ فكري في كل ما يصدر عنكِ، إن حدث بيننا فتور عاطفةٍ وتأجج أخرى. ولا زلتُ أستدين من الشك علامات ومواقف لا تبدين فيها إلا أنك لا تبذلين لي إلا ما تبذلينه لغيري، وأني في موقع النظر منك كبقية الأشياء والناس حين تأخذ منك حيزاً تفرضه الحياة وتقاطعاتها ولا غير.

بِتُّ أنسئ أيضاً ذلك الوخز في صدري، الوخز الذي ينبئ حين يترقق لي بأنك إنما تفعلين ذلك عن نوعٍ من التجاذب، تطمرين به المشاعر التي أستغرقك فيها، وأستحثك بها، حتى تقتربين لي، تتقاطعين معي أكثر، غير أنَّكِ خلقتِ من مبادرتي تلك وشغفي ذلك كبرياءً لا أطاله، ارتدت دونه عاطفتي. ذلك الكبرياء كان قد حدَّدَ لك المسافة التي أردتِها لتتدفقي، ذلك الكبرياء الذي ربما كان حصنك من الضعف والرقة، لكنه ـ على كل حال ـ ألقاني بعيداً هذه المرة إلى الغياب.

كنتُ فيما قبل أوعز ذلك الحب، أو التقشف فيه، بأنه ليس إلا من قبيل التصابي، والغنج، والدلال، وكنتُ في عمرٍ مستقطعٍ منه أنغمس في ذلك الظنِّ، وأغمر كل ومضة نقد من عقلي داخله، لعلي أرى تلك الحقيقة التي توهمتها. وكنتِ آنذاك تمدين الخطوة أحياناً، تتجهين بها نحوي، كلما أرخيتُ حبل صلتي الذي تشققت منه نفسي شددته بما لك عندي، من أول الوهم الصادق حتى آخر الظنِّ الحسن.

أمَّا الآن، فلا أكاد أجد له وصفاً، أو صيغة أستطيع أن أعثر بها على المعنى الذي يتراءى لقلبي. لطالما بدا ذلك الترائي غير مفهوم، وقلبي بين انهمار ذلك كله وانحساره فقد قدرته على الاهتداء، على تلمس الطريق، على معرفة الرموز والإشارات، والتنبؤ بها.  حتى وأنا أعود إلى ما كان بيننا وأصطحب عقلي، أخشى دائماً أنني بلغتُ ذلك الأمر وحدي. كم ترددتُ وأنا أستبصر بكل ما أوتيتُ من عجلة أن أحكم دون هوى، أو ارتدادات لذلكم الهوى؟! كم فات من الوقت لأدرك أني ما كنتُ أثق تمام الثقة في كل ما اعترفتٍ أو تدفَّقتِ به؟! كم بدا ذلك الصراع بين أن تكوني أحببتني يوماً، أو لم تألفيني لحظة أبدياً لا نهاية له؟!

وأنا والله لستُ أدري رغم ذلك ما أعزي به نفسي وأنا على أعتاب ما بعد هذا الغياب. ولست أحمل معي من الذاكرة إلا أنني مرزوء أنى وجَّهتُ وجهي وأدرتُ نفسي؛ لكنني على أمل خفيِّ لا ينتهي من أن أعرف الأيام التي أغيب فيها عنك، هل ترينها أياماً من الزمن؟ أم زمناً من الأيام؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق