الجمعة، 13 يناير 2023

مشاهدات وقراءات عام 2022 (2)

 مسلسل فارغو الموسم الأول، المكون من 10 حلقات، هو أحد أكثر المسلسلات القصيرة التي تستحق المشاهدة. لستُ متأكداً من حقيقة الفكرة التي تم الترويج لها بداية كل حلقة، فقد قرأتُ أنها لا تعدو مزعماً وحيلة تسويقية، ولست أدري عن حقيقة أثرها في نفسي أثناء مشاهدة العمل ثم الحكم عليه. لستُ متأكداً من ذلك في الحقيقة؛ لكن المسلسل بفكرته المكثفة والرمزية عن أصل الإنسان ووجود الشيطان قد قطع مسافات بعيدة جداً نحو الإبداع. يلتقي بيلي بوب ثورنتون رأس حربة هذا العمل البديع مع مارتن فريمان والذي بدوره كان سلاحاً فعلاً في شتى تحولات المسلسل القائمة أساساً على تحول شخصيته بتأثير من لورن مالفو ( بيلي بوب ثورنتون). أحببت في هذا العمل الفاعلية التي خلقها في انطباعي بطرح الأسئلة، ولطالما كنتُ ولا زلتُ مؤمناً بأن العمل المقروء، المكتوب، المرئي، المسموع لا يخلد ولا يعظم إلا بطرح الأسئلة التي تبدأ حقيقة وجودها بعد الانتهاء من قراءة العمل أو مشاهدته أياً كان نوعه وجنسه. لِمَ قدم "لورن مالفو" القاتل المحترف المأجور خدمته العزيزة تلك دون مقابل؟ ثم لماذا ترك ذلك اللقاء الأول بينهما والذي حدث مصادفة أثره الجامح على تلك البلدة الصغيرة؟! ما الذي ترمز له شخصية "ليستر" الضعيفة تلك التي يساعدها الشيطان لأن تنهض؟ ولِمَ حملت كل تلك التحولات الحادة حتى تتضاد مع الشيطان نفسه ذلك الذي قدم لها يد المساعدة؟! تتحدث شخصية لورن مالفو في معرض حوارٍ لها مع صاحب المقهى الشرطي السابق عن مجزرةٍ قد حدثت منذ عشرات السنين في ذات البلدة، بأن نعيماً قد ذاقه من قبل حينما كان في جنة عدن. التأثير الذي بدا عليه "بيلي بوب ثورنتون" كان رائعاً ولا شك، أظنُّ أنه يتشاطر شيئاً مع عظمة الشر وسطوته الفظيعة تلك التي لم أشاهد لها مثيلاً في الدراما والسينما بشكل عام إلا مع الإسباني"خافيير باردم" في فيلم "لا بلد للعجائز" ذلك الشر الأوسكاري. مثير ذلك الرعب الذي يخلقه ثورنتون بتقطيع عباراته، بخطواته الواثقة، تلك التي تميل أحياناً لأن تكون أبطأ من العادة، حتى في موته وهو يستند على الأريكة كان مهيباً لا جدال في هذا، خاصةً وهو لا يزال يرعب قاتله منذ لقائهما الأول. أمَّا "مارتن فريمان" فهو من مدرسة مختلفة، مدرسة إنجليزية تشع منها التعبيرات الجسدية والصوتية، والحديث المقتضب، أستطاع من خلال تلك المواقف التي جمعته بزوجته، والشرطية الذكية، ومالفو، أن يضحكنا، وأن يجعلنا نتعاطف معه، ثم ننقم عليه حين يتحول إلى آلة، لا تحوي ولا تحمل مشاعر الإنسان. حاول هذا العمل الدرامي أن يكون على أشبه مثال من الواقع، ستعتقد حتماً وأنت تشاهد حلقاته بمجرياتها وأحداثها واشتباكات شخصياتها أن الضوء لا يسلط على بطلٍ ما ليضفي عليه المزيد من أدوات الترويج التلفزيوني والسينمائي الخاص، بل على النقيض من هذا، كان الضوء مسلطاً على الفكرة في تلامسها الشديد مع الواقع حتى دخل في ذلك الإبداع شخصيات الأبطال بالتفاوت بين الأدوار وتأثيرهما على مجمل الحكاية.

أما من ناحية الأفلام، فسأسردها باختصار، مع أمنياتي بأن لم أكن قد نسيتُ منها ما يستحق الذكر:

1- فيلم sachertort الألماني، أعجبتني فكرته، كانت مميزة في ظل هذا الزخم من الأفلام الرومانسية.

2- lighting up the stars  الفيلم الصيني الممتلئ بالمشاعر الإنسانية حد الإشباع. مسَّتني موسيقاه التصويرية وهي تمنحه بعداً جمالياً آخر.

3- vortex هذا الفيلم العظيم في الحقيقة، والذي يصر حين لا يقدم ترفيهاً أبداً على محاولة المبدعين من المخرجين والمؤلفين الإبداعية لفهم الحياة، فهم أنفسنا، الولوج إلى ذلك الداخل المبهم، تلك المنطقة التي من خلالها نعيش دون أن نعي ذلك.

4- the worst person in the world التجربة التي تقدمها لنا الحياة، سيرة امرأة شابة، وسعيها الحثيث خلف طموحاتها وأحلامها ونزواتها. علاقاتنا التي تحدد مسير حيواتنا.

5- prisoners عظيم هذا الفيلم، ابتداءً من الحبكة القائمة على لغز الاختفاء، وانتهاء على بروز حقيقة معنى أن الأب هو بطل ابنته الحقيقي وإن توارى تحت الأرض. يقول هذا الفيلم الكثير بخصوص ذلك بذروة أحداثه، وقوة أداء أبطاله وتماسك حكايته.

6- sorry we missed you يتحدث هذا الفيلم عن  الممارسة الرأسمالية في تحول البشر إلى آلات لتحقيق مزيد من الإنتاج، بينما تضيع حياة هذا الفرد الخاصة وتنسل من بين أفراد أسرته حتى نغدو غرباء بيننا بفعل ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق