ربما يكون الحديث عن بدايات الأعوام وانتهائها، ومدى قيمة الدروس التي عايشها الفرد منا ويتمنى الاستفادة منها في العام المقبل مكرراً ومؤرقاً ومرهقاً من خلال البؤرة التي صغرت العالم وقربته لنا أكثر، فشاعت لنا الأحاديث، وانتشرت الأخبار، وتشابهت الأقاويل والأفكار، إلا أنه يظل في مثل هكذا فواصل وقواطع عاملاً مهماً في ترتيب الأحداث والوقائع، وفي حساب السنين والأعمار؛ لكنه عدا ذلك ليس بشيء يعول عليه في مدى كيفية عيشنا لهذه الحياة، ولأنني أشعر غالباً بذات الشعور الذي ذكرته آنفاً وما استطعتُ تجاوزه بالكلية إلا أنني أحاول بين فترة وأخرى أن أبدو مستأنساً بذلك التقسيم الزمني، التقطيع المرحلي فيما أراه يناسبه من مشاركة الآداب والفنون التي نستمتع بقضاء أوقاتنا فيها وقتل اللحظات البائسة من الزمن في جريان دمائها على المشاهدات والقراءات والتأملات والتطلعات، ولعلي هنا أفصل بعض تلك المشاهدات والقراءات على سلسلة قصيرة جداً.
مؤخراً ومن خلال اهتمام التلفزيون العربي بالمسلسلات القصيرة، ودخولها في حساباتهم، بدأنا نشاهد أعمالاً بعيدة أولاً وقبل كل شيء عن الترهل الذي بدا ملازماً للدراما العربية، بعيداً عن المشاكل الفنية الأخرى والتي غالباً لا تخلو من أي عمل؛ خاصةً الأعمال الرمضانية. في المسلسلات القصيرة (المحدودة) تركيز شديد على الفكرة، ومن ثم إنشاء البناء المنسجم في أفق تلك الفكرة في الوقت الذي يليق به، لن تتفرع القصة، لن تتشعب الأحداث في أمور جانبية لا علاقة لها بالفكرة، ستكون فيما بعد ذلك الحبكة مكملة لكل تلك الأركان. أعجبني في الحقيقة من بين كل المسلسلات التي شاهدتها في العام المنصرم عملان مختلفان جداً، ولكنهما ممتعان ويستحقان المشاهدة بلا شك. (وش وظهر) للمخرج أحمد الجندي ابن الممثل الجميل محمود الجندي كعمل كوميدي درامي لطيف، مختلف يتميز بالواقعية التي التزمت بالفكرة، وتسليطها الضوء على المكان لإضفاء المزيد من الواقعية على الأحداث، وجذب المشاهد لأن يتطلع أكثر في ما وراء ذلك، أعتقد أن أغلبنا حينها كنا قد أحببنا (طنطا)، بالشوارع الواسعة المضاءة بالإنارة البيضاء، والمطعم الذي تجتمع فيه ريهام عبد الغفور وصديقتها، ومسجد السيد أحمد البدوي، والعيادة التي تشبه كثير من العيادات الموجودة بعيداً عن تلك التي تقدم إلينا في الدراما والسينما، وطاقم التمثيل المتجلي بنور ريهام عبد الغفور بلا شك. المسلسل الآخر هو: مسلسل (غرفة 207) المقتبس من الجميل الراحل د. أحمد خالد توفيق، للسيناريست تامر إبراهيم وهو – حسب ذاكرتي – أحد مخرجات روايات مصرية للجيب، آخر تلك المرحلة، كنتُ قد قرأت له آنذاك رواية جيب باسم : 300 دقيقة، لكنني لم أجد جزءها الثاني، أو ربما لم يستأنفه تامر، ومن ثم قرأت له مؤخراً ثنائية صانع الظلام، وهو محب للجميل أحمد خالد توفيق دون أدنى شك، ويتتبع شيئاً من آثاره بخطه الخاص به، وقد نجح هنا في إدارة هذه القصة المشتبكة التي ما زلتُ أشعر أنها محرضة وبشدة للكتاب أن يستوحوا من مادتها فكرة للكتابة بطريقة خاصة بعض الشيء خاصة الكتاب الذين يميلون لكتابة الرعب. أحب أن أقول هنا أن الديكور كان أشبه بالندَّاهة التي قد تكلم عنها د. أحمد خالد توفيق في سلسلته تلك والتي قدمت في مسلسل ما وراء الطبيعة، يُشده المشاهد قبل أن يندهش في حضور ذلك الديكور، وتزامنه مع الحركات والحياة التي تدور أمامه في ردهة الفندق، وفي الاستقبال، وفي غرفة 207 وفي الغرف الخلفية، أحببت أداء كامل الباشا في (عم مينا) كثيراً، ترك الخواجة مايكل (مراد مكرم) فيَّ أثراً ما، كان مندمجاً مع الشخصية بشكل مثالي للحقيقة، كان بارزاً لا خلاف في هذا، محمد فراج في اللطافة والتأنق الذين بدا فيهما، وفي خسارته المضنية لسارة كان مختلفاً ومتأنقاً. ريهام عبد الغفور أراها تعمل في منطقة مرتفعة خاصةً بها، وهي أقرب لأن تكون النجمة الأولى وحتى إن لم يكن ذلك حسب تقييم الشباك. القصة وألغازها، ممتعة ومثيرة وهي تعلب على وتر الرعب، والسفر عبر الزمن، سيتضح ذلك لاحقاً ربما في الموسم الثاني.
هناك أيضاً مسلسل خفيف لطيف يحقق مقداراً كبيراً من التسلية وإن كان دون هؤلاء في المرتبة إلا أنه يقي وقت المشاهد من الرتابة والملل، موضوع عائلي لماجد الكدواني وعائلته، بالطبع هنا لا يراد من المشاهد سوى أن يضحك فقط، وهو هدف لا يخلو من قيمة.
لن أطيل سأتحدث فيما بعد عن المسلسلات والأفلام الأجنبية، ثم سأعرج على الكتابة إن سمح وسنح الوقت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق