الأحد، 26 أكتوبر 2014

ظلِّليني / شعر

ظلِّليني، هذه الأمطارُ لا تُحني انكساري

والسحابُ الأسودُ الهتَّانُ ما ملَّ انتظاري

والربيعُ الحلوُ ولَّى مذ تشتَّى في نهاري

ظلليني، شارعي المهجورُ تحتَ الحُلمِ عاري

والأماني ما زكتْ مُذ راج يأسٌ في جواري

وزماني الرحبُ أبلى في زمانٍ مُستعارِ

لم أعُدْ أجتازُ فيه ما تولى من عِثارِ

ظلليني فيكِ معنىً من معاني اندثاري

اجعليني لستُ أرضى دون موتٍ باختياري

دون حبٍّ مستحيلٍ يستديرُ على وقاري

اصرفيني عن هدوئي لِخَفِيٍّ فيَّ جارِ

نقَّليني، غيرني، أخرجيني عن مساري


املئي قلبي حياةً ظلَّليها باختصارِ!

 

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

فترجحُ بهم غزة

تميل الناس، فترجحُ بهم غزة
ويعوَّجُ الأمرُ ويختلط ويلتبس فتقيمه وتبينه غزة
وتصغر المدنُ والعواصمُ إذا ما قورنت بكبرياء غزة لا كِبَرِها
ما هذا والله بكلامٍ مفترى؛ ولكنه حقيقةٌ يتحدث بها الزمنُ الذي خُصص لنا، وخُصصنا له كأعظمِ فتنةٍ تمرُّ على الأمةِ وهي منها، أجل نحنُ والذي خلقنا ـــ إن قلَّب أحدُنا الأمر في رأسه وتفكر ملياً ـخلُص إلى أننا ـــ فتنة هذا الزمن للأمة، وأنَّا في عين إخوتنا من الجلالة والمحبة والثقة لأشد فتنة من أهوال المسيح الدجال ساعة خروجه بالقدرة التي يسخرها الله بين يديه فينقلب الناس بعد إيمانهم كفاراً إلا من رحم الله!
ترجحُ غزة؛ لأنها حرةٌ إن جاعتْ لا تأكل بثدييها. تحاصُر من أدنى أخٍ لها أغلق دونها بابه، إلى أولئك الذين بعدوا عن الشرف حتى بلغوا من خزي ذلك عليهم أن يخجل عاقلُهم ويضطرب حين يعتقد أنه يصدح بصوته بالحق وهو في الحقيقة يكاد لا يصل صوته إلى الهواء الذي يحف به، وهذا الحصار ـــ لعمري ـــ  أشدُّ عليها من ذلك الذي التفَّ به العدو، وقلبت به الطبيعة ظهر المجن عليها، فما من معينٍ ولا ناصر إلى الله سوى هذا الصبر والتوكل عليه سبحانه.
أما ما يلتبس على الناس ويعوجُّ وتقيمه غزة، فهو الدين الذي يدعو إليه منافقو هذا العصر وهو بين بين في زعمهم أنه بذاك وسطٌ من الوسط، حتى أنهم آثروا السلامة في كل حربٍ إلا أن تقطع رأس امرئ مسلمٍ، أو تكشف عورة امرأة مسلمة، أو تنزع روح طفل من المسلمين. هؤلاء هم الذين جابهوا ردة الفعل التي تصدر من امرئ مسلمٍ: سواءً أكانت صائبة، أم صابئة، ووصموا ذلك بالتطرف والإرهاب، ثم نخروا بأدواتهم الإعلامية وما ساندها جذع شعيرة من الإسلام هي أشد ما يخشاه العدو، وأجل ما يوقره الصديق؛ لنظهر في ربيع ذلك الخريف على صورة الحمل الذي لا يعرفُ فيمَ أخذه الذئب إليه؟!
دعوة هؤلاء إلى طرد العنف بكل أشكاله باتت أمراً أشبه " بخدعة الصبي عن اللبن " خاصةً بعدما ظهر من وجع غزة ما تداعت له شعوب الغرب المسيحية بل واليهودية في تظاهراتهم ضد الكيان الصهيوني وأشباهه وعملائه في ذلك القطاع، تلك التظاهرات التي كشفت للجميع أمرهم كشفت لنا أيضاً ذلك العجز الذي كنا نورايه بقصيدةٍ حيناً، وبمقالاتٍ أحياناً، وبتغريداتٍ بين حينٍ وأحيان، وبتنا حتى أقلَّ ما بدا من النصرة، وأقرب ما يكون للرفض على ما يجري في غزة لا نستطيع أن نبتدر العالم به؛ بل نظل كما عرفنا هذا العالم هامشاً وتبعاً حتى في هذه!
من أجل هذا ما زلنا نصغرُ كلما صدح هذا الكبرياء لوحده في وجه الحرب والمدن والشوارع والحضارة والعلم والإنسان الغربي الذي يرفعه الفلاسفة الغربيون عنا درجات، من أجل هذا بتنا مع هذه الآلة التي تحيط العالم أداةً تهلكُ نفسها بنفسها، فما ننجو إن آثرنا النجاة إلا بغيرنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم لا تكل أهل غزة إلينا في أمرٍ فنخذلهم كدأبنا معهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم طرفة عين، وكن لهم ناصراً ومعيناً ومحيطاً واكلأهم بعينك التي لا تنام.   

الأربعاء، 23 يوليو 2014

عدوان في فنتة الكرسي

جوناثان بن باقوم، لقبَّه أبوه بجندب، يغرق المركب الذي يحمله وأباه في رحلة تجارية، يموتُ الأب ويبقى الصبي والألواح الخشب مادة تجارتهم. حينما يصل إلى شاطئ جدة يتعرف على عمر بن الخطاب، فيذهب به وبالألواح إلى مكة، ثم يتعرف الصبي بأهل مكة: يتحدث مع عثمان، والشيخ أبي طالب، وعمرو بن العاص الذي يصبح أحد أصدقائه المقربين فيما بعد، ثم ينتقل معه وعمر وعثمان إلى غزة موطنه وأمه في أحد رحلات أهل مكة التجارية إلى الشام. كل هذا وجندب لم يكن من أقران هؤلاء الرجال عمراً، فكان في سن العاشرة وهم في ريعان شبابهم؛ لكنه كان يعرف الكثير من علم أهل الكتاب؛ إذ كان نصرانياً وكان أبوه يعلمه الكثير مما يعرف، تحدث إلى أصدقائه بأحاديث أذابت ذلك الفارق العمري بينهم حتى أصبح مكيناً لديهم. كان يذكر لهم وهو من أهل الشام طبيعة الصراعات التي بدأت واستمرت على كرسي الامبراطورية البيزينطية منذ قرون بعيدة حتى وصل بمعرفته إلى الامبراطور الحالي، وذكر ما جرى بين الروم والفرس من اقتتال بينهم وبين أتباعهم من ملوك العرب الذين كانوا في أحيان كثيرةٍ سبباً في نشوب المعارك بين الفريقين، ذهبوا في تلك الرحلة عند راهبٍ في بصرى، ذكر لهم عن قرب ظهور النبي الجديد وأنه من قريش، كان معهم في تلك الرحلة أمية بن الصلت وهو من ثلاثة لم يرتضوا أن يعبدوا الأصنام في قريش، وكانوا يبحثون عن الدين القويم؛ ولكنه طمع أن يكون ذلك النبي، فلما وصف له الراهب شيئاً من صفات النبي المنتظر علم أنه ليس هو وآلمه أن يسخر منه رفاقه في تلك الجلسة.
رافق جندب فيما بعد إلى الإسكندرية من غزة عمرو بن العاص، دون سببٍ واضح؛ لكن جندب درس هناك في مكتبة الإسكندرية، ثم عمل لعمر عيناً حينما أصبح خليفةً للمسلمين على الروم، وتبعه في ذلك عثمان حينما أعلمه جندب بطبيعة عمله السري مع عمر، فأرسله إلى معاوية لأنه هو من كان يدير الشام وهي على تخوم الروم، ثم كان من الناس الذين شهدوا زمن مقتل الخليفة، واختلاف الصحابة في موقعتي الجمل وصفين، يذكر بعض ما روي عنها ممن كان رأساً للفتنة أحياناً وثقةً أحياناً أخرى.
هذه الرواية باختصار شديد، ولأنني معجبٌ بعبد الجبار عدوان في روايته الأولى راوي قرطبة إذ أعمل فيها من حقيقة التاريخ شيئاً يأبى إلا أن يعجب به القارئ، فإني أعتب عليه كثيراً في روايته هذه التي كانت تحمل التاريخ دون روحه، وتستطلع أن تكون بناءً فنياً متكاملاً أو شاهقاً بديعاُ؛ لكنها بدت متهلهلة جداً من هذه الناحية. طغت على فنية هذه الرواية التقاريرُ المعلوماتية التي تصدرها الأحداث الجمة والجمة جداً التي حملها على عاتقه في إضبارته هذه المصنوعة من وهمية جندب الذي لم يكن إلا كذبة لم تنطلِ على القارئ أينما حل وارتحل في صفحات الرواية ـــ على أن الأدب أو القصة أجمل كذبة ممكن أن يمررها العقل على النفس ـــ. تجد تلك الوهمية الواضحة الفاضحة في اللغة التي يتحدث بها جندب وبعض الصحابة في بعض المقاطع التي لا تمت بصلة إلى تلك التي يذكرها هو نفسه المؤلف أو جندب في كثير من المقاطع الأخرى التي تُروى على لسان أحد الرواة الشاهدين على حدث من تلك الأحداث، سرعان ما يبادرك اللحظ وأنت القارئ ذلك الانفصام الشديد الزمني واللغوي بين ما يقوله جندب وعمرو في حوارٍ لهما من صنع المؤلف مثلاً، وقول عمروٍ نفسه في أحد تلك الروايات، أجل تعرف أن عمراً ما كان إلا هناك في بطن ذلك التاريخ بصفحاته التي يرويها الرواة والتي نُقِلت في مقاطع غلبت على الكيف والكم السردي من الرواية، وهذا يضع كثيراً من قدرة النص على أن يقف على أرضٍ صلبة يعتمد بها على أن يثبت ثم يعتليَ فيشمخ.
الموضوع الذي خاض فيه عدوان عن زمن الفتنة منذ مقتل عثمان رضي الله عنه، واختلاف طلحة والزبير ثم معاوية على علي رضي الله عنهم أجمعين، موضوع شائك جداً ومختلفٌ فيه وعليه، ولم يوفق عدوان فيه أيضاً حينما كان هو في حقيقة روايته الحدث الأبرز، سواءً أكان صراعاً على الكرسي بزعمه هو حين سمى به الرواية، أم كان حقيقةً من جانبٍ آخر لا يفيض به من لا يملك كثيراً من العلم، أقول لم يوفق عدوان هنا أيضاً؛ ليس لأن الموضوع في اختلاف الصحابة شائكٌ وقد انشطر المسلمون منذ ذلك إلى فرق فقط؛ ولكن لأنه كان يجب أن يكون دقيقاً أكثر في الروايات التي ينقلها، نحن نعرف أن لتلك المعارك وتلك الفتن روايات كثيرة منها الموغل في الضعف، والغائر في الوضع، والصحيح المشوب بحكم الهوى؛ وهو في تقريره الروائي حين ينقل رواية واحدة عن أي حدث، فإنه ملزومٌ بأن يؤمن بصحتها والاعتقاد بها، فإن كان ذلك كذلك فإنه حكم في أمرٍ وقع حقيقةً وكان فيه من قبل الصحابة الأجلاء ثم التابعين والعلماء تأويل وتفصيل وتفضيل وحكم، فاختلف الناس، وهو الأمر الذي كان يجب على عدوان أن يتجنبه ويكون محايداً؛ بخلاف جندب الراوي الحقيقي المفترض لتلك الأحداث الذي كان محايداً جداً وهو في خضم تلك الأحداث، وهذا لا يتوافق مع المنطق والعقل، وهذا شرخ كبير في المصداقية وطعنٌ فيها أكبر من طعن صورة الزمن في اللغة المحكية في الحوار والمقاطع المروية من قبل. كان يجب فنياً على الأقل أن يرتئي جندبُ رأياً في ذلك وإن بالاعتزال على اعتبار أنه من أعيان تلك الفترة. برز لي رأي المؤلف لا الراوي في الجناية على أبي ذرٍ رضي الله عنه، منذ حكاية اعتراضه على عثمان بالخلافة وقوله بأحقية علي إلى اختلاق بعض الأحاديث عن فضل علي رضي الله عنه بما لا يصدق به عاقل في زمننا هذا، فكيف بأبي ذرٍ رضي الله عنه، وهو من هو في منزلته من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنَّ في ذلك التخمين ـــ الذي يعتبره بعض الكُتَّاب تأملاً ـــ شيئاً من الحكم على النوايا وهو ما لن يعلمه عدوان ولا غيره من ذلك الصراع الذي زعموا أنه للسلطة، فأصبح الصحابة الذين باعوا دنياهم مع الرسول، وطمعوا في أن يلقوا الله والجنة، وعبَّقَ الأرضَ والتاريخَ ذكرهُم، أهل دنيا يتقاتلون عليها! ما كانوا أولئك والله وهم من قد عرفنا سابقتهم وفضلهم وإن كان من شيء فيما بينهم فلله ولما ظنوا بصحته وصوابه دون أن يكون للدنيا في نظرهم فيه خيار، حتى في تلك الاختلافات البسيطة يلمح حبيبنا عدوان في استنتاج " جندبه " ـــ الذي كان محايداً هنا أيضاً وهو ينقل هذه الرواية ـــ إلى أن لحظِّ النفس منها نصيباً أوحد كما جرى بين عمر وخالد حين عزله بأبي عبيدة، وهو ابن خاله، إذ زعم كما غيره بأنه جراء صراعٍ قديم بينهما وأن شيئاً من ذلك غشي قلب عمر! غشيه وهو في تلك المنزلة من الأمة ليكره أو يأخذ موقفاً معادياً ممن؟ من خالد بن الوليد سيف الله المسلول، والقائد الفذ البارع وابن خاله أيضا؟ شيء غريب، حتى إنه لم يذكر حينما توفي خالد رضي الله عنه أسف عمر وبكى وقد كان يطوي في يدهع ورقة فيها إعادة خالد لمكانه المعروف، وقد ذُكر في موضعٍ سئل عنه ـــ لم يسقه عدوان هنا ـــ  فيما يبدو عن عزله لخالد، بأنه كان يخشى أن يفتتن الناسُ به وبانتصاراته. وهذا للحياد.
قفزة الروائي مما قبل البعثة إلى اليوم الذي استشهد فيه عمر لم تكن مؤثرة في البنية لأنها لم تكن صلبةً من البداية، وسيقت لخدمة المعنى الذي يريده الروائي من الخلاف والاختلاف على الإمارة.


وبعد، فلن يثنيَّني هذا التقييم وهذا الضعف في تجربة عدوان هذه من أن أقرأ له روايةً أخرى تكون شبيهةً بما حكاه عن الأندلس في راوي قرطبة، وإن كنتُ تمنيتُ إن كان لديه شيءٌ في هذا الموضوع خاصةً ألا يناقشه في روايةٍ ما وبهذه الطريقة؛ لأنه لو ابتدر للتاريخ نفسه وصنع كتاباً مسنداً من كل ما يعتقد أنه يملكه من براهين وحجج واستنباطات وتقارير ومعلومات لكان حرياً به أن يأخذ بين أقرانه مكاناً جيداً.

الخميس، 3 يوليو 2014

في ساق البامبو للسنعوسي


رواية ماتعة، قلما أقرأ بجودتها عربياً، لستُ أعرف الروايات التي نافستها على البوكر في حينها؛ لكنها قطعاً تستحق الإشادة، مضى فيها السنعوسي بسلاسة عذبة وكأنَّ ذلك الفلبيني الكويتي يمليها عليه حقيقة لا ابتكاراً من رأسه هو. فكرة السنعوسي في أن يجعل روايته رواية لجوزيه أو خوزيه أو عيسى لها مترجم ومحقق فكرة جيدة جداً، والأجمل كذلك أنه تحدث عن الانتماء المهزوز في الخليج العربي، وأن الانتماء فيه للبلد بحسب المصلحة أو ما تقتضيه الضرورة، إذ إن هناك انتماءات أخرى ليس أولها الطبقية الاجتماعية ولا آخرها وأشدها جذوراً القبيلة التي تسلسلت منذ أزمان قديمة في صفحات هذه الأرض. رغم أن الراوي فلبيني بالأغلبية فإنه لم يتحدث عن الفلبين في ميزان نقده بالعقل، كما تحدث عن الكويت بإسهاب مجمل ومفصل في علاقات أفراد المجتمع ببعضه، وبالأجنبي عنه، في طريقة عيشه، عمله، تفكيره، لهوه، لبسه، شكله، عاداته تقاليده، كانت الفلبين بالنسبة له حبيباً لا يستطيع أو لا يود الخوض فيه، رغم المرور العرضي على بيع الآباء بناتهم لأوكار الزنا، واستقلال الفرد من الأسرة استقلالاً شبه كلي إلا أنه لا ينفي ذلك الحب الذي قد تظهره هدية رمزية بسيطة جداً كولاعة سجائر زهيدة الثمن،.
في الحقيقة وبعيداً عن مشكلة عيسى وانتمائه إلى اللاشيء بين الكويت والفلبين، والغصة التي تصاحب هذا البحث المضني عن الهوية رغم أنها أمام عينيه إلا أنه لا يستطيع لمسها بيده، أقول وبالرغم من ذلك، فإني آنستُ جانباً من حياة الأجانب المغتربين في بلداننا هنا وكيف هي احتياجاتهم ومعيشتهم حين تلفظهم أرزاقهم هناك إلى هنا، بتُّ أتعاطف معهم أكثر بعد هذه الرواية.
لا شك أن تجربة السنعوسي في ساق البامبو بدت ناضجة، ولا شك أنه خيب أملي حين اعتقدتُ أنه بلغ من العمر عتياً حين سمعت بالرواية وبفوزها بالجائزة فإذا به شاباً مبدعاً في مقتبل العمر.
شكراً سعود السنعوسي، رواية تستحق القراءة.

سلامٌ آل غزة

وَما مُتْنا؛ ولكنْ عاشَ نِصْـفُتَغَمَّدَهُـمْ عَـنِ الأحْيـاءِ قَصْـفُ
هُناكَ بِـأرْضِ غَـزَّةَ إنْ خُذِلْنـافَمِنَّا، غَيْرَ أنَّ الضَّعْفَ ضَعْفُ
فلا عَرَبٌ تُزيلُ الخَوْفَ عَنْهُـمْولا أمْـنٌ مِـنَ الكُـفَّـارِ يَصْـفـو
تَـواريْـنــا بِـسَـوْأتِـكُـمْ، وَإنَّــــاعـلـى آثـارِكُـمْ حَتْـمـاً سَنَقْـفـو
إذا مــا بِيْـعَـتِ الـدُّنـيـا بِـدِيْــنٍفَنَحْـنُ لهـا وَلِلْأمْـجـادِ سَـقْـفُ
وَمَـنْ يَكُـنِ الهَـوانُ لَـهُ إلَـهـافَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأشْيـاءِ صِنْـفُ
تُعَـزِّيْـنـا الـجِـيــادُ إذا مُـنِـعْـنـاجِهادَهُمُ، لها في الحَرْبِ شَفُّ
وَتِــلْــكَ سِـيُـوْفُـنـا مُتَـعَـلِّـقَـاتٍعلـى أسْتـارِنـا: أفَــلا تَكُـفُّـوا
سَــلامٌ آلَ غَــزَّةَ حـيــثُ أنْـتُــمْتَلَقَّـوْنَ الشَّهـادَةَ حِـيْـنَ نَغْـفـو
ســـلامٌ آلَ غَــــزَّةَ إنْ بُـلِـيْـتُـمْبِنا فَـوْقَ البَـلاءِ فَـذاكَ عُـرْفُ
وَصَـبْـراً آلَ غَــزَّةَ إنَّ وَعْـــداًمِـنَ اللهِ سَيَأتِـيْ لـيـس يَجْـفـو


في يناير 2009، ولأن تاريخنا يعيد نفسه بأسرع مما نتصور هاهي الآن

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

ما عاد هذا الحبُّ لك / شعر

ما عاد هذا الحبُّ لكْ
ما عاد هذا الشوقُ لكْ
ما عاد هذا الوردُ يعصرُ 
خمرَ حبٍّ أثْملَكْ!
ما عاد هذا الوصلُ يُذكيْ 
فيك مِسْكَكَ، صندلكْ!
ما عاد للزمنِ الذي 
آلفتَهُ أن يبذُلَكْ
ما عُدتُ ذاك المُبتلى
ما عُدتُ قيداً كبَّلكْ
ما عُدْتُ أعقِلُ كيف لي
في ما مضى أن أعقِلَكْ
يا من تسوَّر بالظنونِ
أكان شكُّكَ مُدْخَلَك؟!
أم أنها أنواءُ صدقكِ 
لا تبينُ لِتخذُلَك؟!
فتذوبَ في فلك النوى 
وتلوحَ إلا مُجْمَلَك
باح الهوى بسريرتي
وكتمتَ أمراً أخجلكْ
وتبعتَ نفسك تزدري 
ما بات فيك، وليس لك!

السبت، 18 يناير 2014

جناح الحلم

قصُّوا جناحَ الحُلمِ فابْتلَّ الثرى 
بِدَمي، بِرِيشِ الواقعِ المجهولِ
لمْ يقنع الموتُ الأخيرُ بِتِرْكتي  
فتثاءبتْ سَكَراتُهُ بِخُمولِ 
فحيِيْتُ صبراً أستميحُ من النَّدى 
وطناً يخُصُّ بقيَّتي بِهُطولِ
أنا من زمان اليأسِ أدلجني الرجاءُ 
تقيَّةً خلْفَ التُّقى المأهولِ
فنفضْتُ ساعاتِ المخافِ فما جَرَتْ 
إلا وقفْتُ بِكُرْبَةٍ وذهولِ
حولي الحقيقةُ في كُمُونٍ أنطقتْ 
صمتي القديمَ على لسانِ عَذُولِ
شتَّانَ بين سلامةٍ وندامةٍ  
شتَّانَ بين تورُّدٍ وذُبولِ
يا أيها المُحتارُ هل وَجَبَ الثناءُ 
على النُّجومِ إن انبرى مدلولي؟!
أمْ أنَّها تلك الغُيُومُ تقشَّعَتْ 
عن بعضِ شكري للهُدى المَتْبولِ
قصُّوا جناح الحُلمِ واروا مُهجتي 
خلفَ السرابِ على خُطى المخذولِ
أنَّى نظرْتَ فلن ترى لي حيزاً 
 ملئي سوى في الموطئِ المشغولِ 
أحتاجني، أحتاجُ أفهمُ أنني 
هذا الذي بقيودهِ يدعو لي
أحتاجني ألَّا أموتَ من الأسى 
أحتاجني ألَّا أزيدَ حُمولي 
قصُّوا جناح الحلم؛ لكنْ حلَّقَتْ 
روحي بأجنحةِ الغدِ المأمولِ

في 13 / 3 /1435هـ

الثلاثاء، 7 يناير 2014

( لمى ) اذكرينا عند ربِّك!

يسعدني أحياناً أن أتألَّم، وأتوجَّع، وأغوصَ في بحر الألم حتى لا أنجو منه بغفوةٍ تخلو من الأكدار التي أقرَّها في نفسي ذلك الألم. كلُّ ذلك يسعدني أحياناً كثيرة، لا لشيءٍ خارجٍ عن إطار العقل والمنطق؛ ولكن لأشعرَ بأنني في جانبٍ مُظلمٍ أُنيرُ كإنسانٍ ما زالت الإنسانية تصبُّ فيه بعضاً من ماء ينبوعها الصافي، ولا يكدره وإن بغفلة.
هذا ما كنتُ أشعرُ به وأذرع ساحاتِهِ منذ أن أباتَ البئرُ في أحشائه ( لمى ) تلك الطفلةُ التي أستهجنُ فيها قولي " تلك الطفلة "؛ لأنها في عيني أقربُ من " تلك " وأبعد في محبتي من كثيرٍ أودعت الحياة نسماتهم في قلبي.
أعادتْ ( لمى ) مجرى إنسانيتنا المتردِّم حين وخزتْ بطفولتها وبرائتها قلوبنا فأدمتنا أكثر مما لو كانت أكبر من ذلك الطور العُمُري الذي هو في حقيقته غايةُ الأطوار والمراحل كلها في أن تبقى الفطرة كما هي نقيةً طاهرةً لم يأتِ على طرفٍ من أطرافها تلوثُ الحياة أبداً.
( لمى ) التي كلما نظرتُ إلى ابنتي ودميتها، أحسستُ بأنَّ قلبي يُنتزعُ من مكانه مرتين: واحدةٌ على الخيال المُرِّ الذي يراودني عن تجرُّعِهِ قريباً مني، وأخرى على ( لمى ) حينما أغور في تفاصيل تلك الرمال التي ابتلعتها، والدميةِ التي وددتُ ألَّو حملتْ بين جنبيها روحاً  لم تخلق إلا لتؤنسَ ( لمى ) في تلك الغياهب من الجُبِّ!
كنتُ أموتُ على أن أستبشرَ بحياتها، منذ سادسِ يومٍ مشؤومٍ علقت فيه؛ لكن ذلكم الخبر طال انتظاره حتى بلغ اليوم التاسع عشر حين علمتُ بأنهم عثروا على أشياءَ / أشلاء منها...
تعتصرني لوعةٌ، وترهصني حرقةٌ كلما ركض حدسي صوب استغاثتها وقد كان من الممكن أن تنجوَ لولا قضاءُ الله في ذلك الإخفاق في انتشالها، وقِصَر اليدِ التي امتدَّت لها لتنقذها.
نعم، هو قضاءُ الله وقدره لا شك في هذا؛ لكن القضاء لا يكون قضاءً نُسلَّم له بالتقصير والعجز، كان من الممكن أن يعْتدَّ ( الدفاع المدني ) لمثل هذا ويتأهب، وكان من الممكن أنَّه إذا شَعُرَ بعيبٍ ما في آلته وأداته وفكرته أن يستعين بما لدى غيره منها من قريبٍ أو بعيد، وكان من الممكن أيضاً أن يُدركَ بأنَّ ما تحتَ هذه التُربةِ روحٌ منَّا لنتداعى لها بخيلنا ورجْلنا!
وداعاً لمى..
وداعاً يا صورة الآخرةِ بوجهها الحسنِ في روحكِ الطاهرة التي حلقت بنا حول الجنان، وبهولِها وفزعِها الدائبِ في فوهةِ بئرك المتربِّصة، وجورابك ودبدوبكِ الخالد!
وداعاً بُنيَّتي.. ستظلَّين عالقةً في أحشائنا وجعاً لا يكاد يخفُّ قبل أن تكوني غصَّةً على كلَّ من منحه اللهُ قدرةً ولم يصبّها في استطاعته!
إلى اللقاء بٌنيَّتي..

اذكرينا عند ربِّك!