الخميس، 5 ديسمبر 2013

إني إليكِ مُطوع

مـا كُنـتُ أحسـبُ أنَّـهـا ستصُـدّنـيأوْ أنَّــهــا عــــن قـلـبـهـا تَـتَـمَـنَّـعُ
لــكــنَّ فـاتـنـتـي أدارتْ ظـهــرهــاوتعـزَّزَتْ، فأبـى عليهـا المَوْضِـعُ
يا كُلَّ ما أهوى ومَنْ كان الهـوىفــي ذاتـهـا، إنِّــي إلـيــكِ مُـطَــوَّعُ
فالتَّـيْـمُ تَيْـمِـيْ والصبـابـةُ هـاهـنـالــكــنَّ طِــفْــلَ ودادهـــــا يَـتَـقَـنَّــعُ
ويــلاهُ إنْ أَلِــفَ اللـقـاءُ غيـابَـهـاهــلْ للتَّشَـتُّـتِ بـعـد ذلــك مَـجْـمَـعُ
إنْ زادتِ الحسَنـاتُ منهـا أكْـبَـرَتْفيهـا الـوصـالَ فَعِـنْـدَ ذلــك تَقْـطَـعُ
لَوْ كـانَ لـي فـي أمْرِهـا مِـنْ قُـوَّةٍما كنتُ أضعفَ من هوى يا مَرْبَعُ
مــا كــان ذلــك باخـتـيـاري إنَّـمــاهــو مَـذْهَـبٌ فـيــهِ أُقـــادُ وَأُدْفَـــعُ

في يوليو 2008

الخميس، 7 نوفمبر 2013

خاطر الفجر

أطبقت على صدري الأضلاع، وكادت أن تخرج نفسي لشدّة تلك الضمّة، فلا أنيس من الأفكار يبهجها لترجع، ولا صوتَ عقلٍ لديها لتقنع.
أمَا وإنّ زفراتي زفرات مكلومٍ لا دواء له، وعبراتي عبرات مهمومٍ لا فرج له، وإنّي حينما أرى ذلك من نفسي أعود فأقرعها بمزيد من الإيمان الذي لولا أن ضَعُفَ؛ ما صنعتُ الذي تصاغرتها بشأنه، ثم أعود معها، فأرجع عنها إلى أن نفترق ويقضي الله أمراً كان مفعولا.
أيا قَلِقَةً بما لا أخاله قَلِقَاً، هل أدلُّكِ على ما هو خيرٌ لكِ ولي؟
نتحاور؛ لننظر مواطن القصور بنا، فنصلحها ونقوّم معوجّها، فإنّا لا يَحْسن بنا أن نتخاصم أبد الدهر ونهلك جوارح هذا الجسد فلا تتحقق رغبات كلٍّ منّا؛ بدافعٍ من العناد والهوى.
لا أرى لهذا الحزنِ سبباً، وإنّ ما خلّفتِه في بؤبؤ العينين من وَلَهٍ لحجّةٌ عليكِ لا لك.
أوَ تحسدين الجاهل بما حصلّتِه من علمِ واختزنتِه وكنزتِه؟! إنّكِ والله لم تتجاوزي أن تكوني مثله إن لم تَكُنِيْ أجهل منه؛ ذاك لأنه لا يعلم ما هو فوقه ولا ينشغل بما هو دونه، وإنّما يعرف ما يعنيه فيعتني به متجاهلاً غيره، فلعمري قد أنصف نفسه وما أنصفتِني إذ وهبتُ لكِ أضعاف ما وهب لنفسه، كيف لا؛ وقد انشغلتِ بالتوافه، وفترتِ عن التطلّع، فلم يعد لما يعنيك معنىً بينهما!

أتحاجّين زجري بشفافيتك؟! وتشتبهين في حبّي بتعقيدك ؟! وتتوهّمين ضعفي بتأييدك؟! وترين غلبتي بتبخيسك؟! وما ذاك إلا لمداراةٍ ومدّةٍ أرجأتكِ فيها؛ لتتحرّكي دون وازع منّي، ولتتحرري دون عتقٍ من أحد، ولتُقَدِّري ما أمَّلْته فيك.
أمّا زجري، فلا يخلو من إقالةٍ لعثرةٍ تكررت، فناسب أن أزجر بعد أن صمتُّ في الأولى، وعلّمتُّ في الثانية، وصبرتُ في الثالثة.
أمّا حبّي، فمن ذا الذي لا يحبّ نفسه، غير أنّي طغيت به حتّى أفضتُ به على الغير.
وأمّا ضعفي، فلاأراه إلا حلماً أوشك أن يغضب، وما عِلْمكِ به إلا كعلم الجاهل بما لدى العالم، وإنّي والله لقادرٌ على أن أوثّقكِ وأسيّركِ طائعةً راهبة إلى حيثُ أريد وسأفعل ما دمتِ على ذاك.
أمّا غَلَبَتي، فإن لم تكُ لكِ فلمن ستؤول ــ ويحكِ ــ حين تحقِّريها، أمَا كابدتُ الأهوال، وسهرتُ الليالي، وشققتُ الصعاب لأجلك ولأجل سلامةٍ في رأيك وافقتكِ عليها، أَوَ تتنكّرين لي بعد ذلك؟!

أيا حائرةً بما لا أراه محيّراً، اعرضي لي ما تخفينه دوني، فإنّي لا أعلم منكِ إلا ما أطلعتني عليه، واعلمي أننا ما إن نضع نقطاً على الأحرف، سنعرف ما تعني. ولا تبهمي في رغبةٍ فأعجزُ عن كشفها، ولا تطمعي فيما ليس لي عليه يدٌ فتهلكي بتهلكتي، وإنّي والله لأرى فيكِ طمعاً؛ آملُ أن تبلّغيني به إلى الجنّة، وهذي يدي!

الخميس، 3 أكتوبر 2013

إياب / قصيدة


أنا عائدٌ، وجهي دليلي 
رغم آثار السنينْ
رغمَ العُقودِ الضُرِّجَتْ 
بدمي، بآهات الحنينْ
رغم المسافات التي 
أقرضتُها عُمُري المَدينْ
رغم المكان المستعار
بموطئٍ أقصاهُ طِيْنْ
أنا عائدٌ والشوقُ أثْقَلَ
خُطوةَ الألمِ الدَّفينْ 
والرَّيحُ لا تأتي بِهَمِّي
أوْ تُثيرُ جوىً مَكِينْ
والذكرياتُ البيضُ فوقي
ظُلَّةٌ مِمَّنْ بَقِيْنْ
والليلُ هذا مُهْلِكي
لولا مساءاتٌ وَشِيْنْ
والصبحُ أدركَ وَتْرَهُ
لكنْ على فجْرٍ حزين

* * * *

أنا عائدٌ منِّي إليَّ 
وفي فؤادي أسئلةْ 
لكنما لا ظلَّ لي
فيها يُعِيْرُ الأخْيِلَة 
هل يحصدُ العُمُر الجديدُ
من المنايا سُنْبُلةْ 
أم هل تُراهُ الوقتُ
يذْخَرُ طاقتي كي أقْتُلَهْ
كم أقْبَلَتْ طوعاً إليَّ 
جوارحي مُتوسِّلَة
لكنني لم ألتمسْ 
عذراً لها كي أقْبَلَهْ
أنا عائدٌ من وَقْعِ هذي 
البِيْد يَنْكَئُني الوَلَهْ
ويَقَرُّ في عينيْ ملامٌ 
لستُ أُبْصِرُ مُجْمَلَهْ
لكنني ماضٍ إليّ
على خُطايَ المُقْبِلَة

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

أفَلا يُهِيْبُكَ مَنْطِقِيْ أمْ أنَّ في الأيَّامِ سِرَّا / شعر

أفَلا يُهِيْبُكَ مَنْطِقِيْ أمْ أنَّ في الأيَّامِ سِرَّا
أمْ أنَّ في عُسْرِ الَّذِيْ يَهْواكَ بَعْدَ الحُبِّ يُسْرا
ألِأنَّنِيْ أسْفَرْتُ عَنْكَ فَتَرْتَ ثُمَّ نَزَحْتَ تَتْرى
ما كانَ يَجْرِي لَوْ كَشَفْتَ لِيَ الغَرامَ فَباتَ ذُخْرا
أوْ في الوِصالِ بَدَأْتَنِيْ أوْ في الصَّبابَةِ كُنْتَ أدْرى
لِمَ حِيْنَ أقْرُبُ تَنْتَشِيْ بُعْداً وَتَأْتِيْ حِيْنَ مَسْرى
لِمَ تَسْتَلِذُّ بِلَوْعَتِيْ، لِمَ تُشْعِلِ الأحْشاءَ جَمْرا
لِمَ تَشْتَهِيْ أَلَمِيْ وَهَمِّيْ وَاكْتِسابَكَ فِيَّ وِزْرا
لِمَ لا تكونُ بِمَعْزِلٍ عَنْ كُلِّ ما يَزْدادُ بَطْرا
لِمَ أنْتَ.. أنْتَ، وَكِبْرُكَ الْمَعْمُوْرُ أكْبَرُ مِنْكَ عُمْرا
وَكَأنَّكَ الْعُذْرُ الَّذِيْ لا يَسْتَمِيْحُ الْيَوْمَ عُذْرا
ما بالُ غُصْنِكَ لا يَمِيْلُ بِهَمْسَتِيْ وَيَلِيْنُ قَسْرا
وَتَجَرَّدَتْ عَنْكَ الْهِدايَةُ في الْهَوى، فَكُسِيْتَ مَكْرا
أغْراكَ ضَعْفِيْ، فَاقْتَدَرْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَخُضْتَ بَحْرا
وَسِعَتْكَ فِيَّ مَشاعِرٌ ضاقَتْ عَلَيَّ بِوِسْعِ أُخْرى
وَبَلَوْتَنِيْ، حتَّى إذا جَهِدَ البلاءُ مُلِئْتَ سِحْرا
وَلَقَدْ رَضِيْتَ بِغِيْرِ وَجْهٍ أنْ تَكُونَ عَلَيَّ وِزْرا

27/3/2008

السبت، 24 أغسطس 2013

فَضُلَت ولكنْ في الرَّذيلة


تعرَّفَتْ عليه في إحدى غُرف المحادثات الكتابية الإنترنتية. راق لها هزلُهُ، وأعجبها جِدُّهُ، فَحَسُنَ له حديثُها، وزانت له الحكمةُ الضالة من أسلوب تعبيرها المنمَّق، فاستظرفتْهُ واستلطفها حتى جرى منها بموضعِ جرت عادةُ من مثلها فيه بأنْ تملأ به الشاغِرَ منها، لتشغل من وقتِ فراغه شيئاً مسَّ فيه غريزة لم تشبعها تلك التي سكنتْ قلبه.
صدقته حينما قالت له بأنَّها متزوجةٌ ولديها طفلان، بينما كذب هُو حينما أجابها عن عدم ارتباطه بفتاة قط، بل ظنَّ أنَّها إنَّما تضيَّق عليه بسؤالها ذاك؛ ولكنَّها في حقيقة الأمر لم تكترث بفكرة الارتباط من عدمها؛ وما سألته إلا لفضولٍ عابر، أو لشيءٍ هو من بواعث تحقق ذلك الرجل من صدق ميلها إليه في جانبٍ عَلِمَ به بعد أن مضت أربعةُ أشهر؛ عندما طلبت منه بأن يشدُّ الرحال إليها، وهو من تعرف نزقَهَ وطيشَه في أن يفعل ما هو أكبر من ذلك.
لم يمنحها لحظةً من التفكير بالعدول عن رأيها، بل توجَّه إليها قاطعاً المئات من الكيلومترات، وهو على شمس من الأمل لا تغيب في أن ينعمَ بالجحيم الذي أصبح جنَّةً في عين شهوته، وهو الذي أمِنَ تغليق أبوابها عن زوجها البائس الذي ارتبط مع عمله في نوبةٍ لمدة أربع وعشرين ساعةً، استجمع لها قُوَّةً من نومٍ، وكَنَزَ لها طاقةً من راحة؛ فمضى في سبيل رعاية أسرته، وأن يؤمن لهم حياةً كريمة؛ ولكنَّه ما عَلِمَ بأنَّ ذلك الأمان الذي ظنَّ أنَّه مطوِّقٌ لأسرته؛ إنَّما يُقيَّدُ عليهم دونه بحضرةِ رجلٍ غريب، وما رواحه ذاك إلى عمله إلا كَدٌ في عرضه، وشرفه، لا في بَدَنِهِ وقوته!
وثُّمَّ إنَّه ليس إلا أن قيل للغريب: هيتَ لك!

وليس بأولى من أن يُلام، ويهوي من سماء الفضيلة سوى تلك المرأة التي لولا أن ارتضت على نفسها؛ لَما انتُهِكَ عِرضٌ، وذهب شرف، واهتزَّ عرش، وَلَما تلطَّخَت الدنيا بدم العفاف، وأنا حينما أتحدث بهذا أحيل الاغتصاب الذي هو شأنٌ آخر خارج هذه الورقة، لنكون على بيَّنةٍ من أمرنا؛ ولئلا يقذفنا من لا يفهم في هذا الحديث إلا التطرف الذكراني ضد النساء، وتعليق رذائل الأمة في جلباب المرأة، وهوى نفسها؛ حتى لو لم تُرخِه عليهما؛ ولستُ لأقِفَ موقفي هذا ضغينةً، أو تتبعاً لمعايب أجتزئ منها ما يؤكد تلك الضغينة؛ ولكنَّه الألم الإنساني الذي اهتزَّت له مشاعري في هذه القصة. وقد بَلَغ بي الحَزَن مبلغه حينما تفكَّرتُ في حال الزوج الغافل، وفي عيونٍ بريئةٍ لطفلين لم يُغمضْهُما القليل من حياء تلك الأم التي نَزَعَتْ مِنْ نفسِها صفة الأمومة، وأقرَّتْ أن تصبح مدرسةً؛ ولكن على الضفاف الآخر مما قاله شوقي، وهي لا تفتأ عن أن تكون بمنأى عن فضيلة إعدادها وتخريجها لشعبٍ صالح لا يحتمل معه طفلين أبت تلك السيَّدة أن تمنحهما نظرةً لا تكسرها حادثةً عابرة من حوادث الأيام؛ وزوجاً ما حَفِظَتْ له غيباً، ولا راعت له غفلةً ما كانت لتكون إلا رعايةً لها في وظيفته التي رزقهم الله بها. ولا كانت محلاً لثقته التي أولاها إليها في أن تنوب عنه؛ ولكنَّها ما استطاعت إلا أن تغدُر به في مقامه، وأن تخون أول ما تخون نفسها، وأن تنكث العهد الذي أبرمه الحياء مع النساء، وأن تطفئ غضب العفاف بماء خضوعها لشهوتها، وأن تسعى في خراب بيتها.
وقد يقول قائلٌ شغوفٌ بخلق الأعذار، بأنَّها إنَّما فَعلت ذلك تلبيةً لحاجةٍ جنسيِّةٍ ما قضاها زوجُها لها، أو أنَّه ما أتى على تمامها. وقد يقولُ آخر بأنَّ الفراغَ غوايةٌ لها فيما أقدمت عليه! وليس لذلك وجْهٌ وقد قيل:" لا عُذرَ في غدر".
وإن أخذنا تلكم الأعذار مأخذاً صادقاً للبحث عن سببٍ وجيه، فلن نُكَذِّبَ إلا عقولنا؛ لأنَّ المعاني التي تبْرِزُ لنا الشرف والعفاف والحياء والوفاء؛ إنَّما يكونُ سبُبُها من المرأة. ولا تزال تلكم المعاني في شَرَفٍ وفضلٍ ما استَقَرَّتْ روحُ المرأة بين جنبيَّ ألفاظها، الأمر الذي يُخَلِّدُ في تلك الغايات النبيلة، والمقاصد السامية افتقاراً إلى طبيعةِ تلكم الروح التي إن اعتورها نقصٌ، وأرمضها خللٌ فما هي إلا أن تتولَّد معاني الفسق والفجور والغي؛ فلذلك لا يُبَرَّرُ عن الكبير بما هو أصغرُ من صغيره، ولا يُعتذرُ عن العلو بما هو دون دونهِ في المنزلة، ولا يُبحَثُ عن سببٍ لسبب؛ وعليه فليس للمكتسَبات يدٌ على المرأة؛ لأنها هي من تسقي تلك الأشياء مِن خلائقها وطبائعها؛ إن فضيلةً وإن رذيلة!
كما أنِّي أتمنى أن أقَعَ على الكيفية التي تَمَكَّن بها نساء المسلمين من أن يَحْفَظْنَ فروجهنَّ، ويَصُنَّ أعراضَهُنَّ، وَأنْ يَكُنَّ سِمَةً للعفة والشرف؛ برغم الدواعي التي تضعفهنَّ الضَعْفَ الذي كان قوةً في تلك المرأة الخائنة؛ أقول أتمنى أن أقع على تلك الكيفيَّة حتى أجِدُ لصاحبتنا باباً تدخُل فيه؛ ولكنني أنكفئُ إليها وقد كفاني طِيْبَهُنَّ عناء ذلك!

اللهم احفظ نساءنا ونساء المسلمين يا رب العالمين، واجعلنا وإياهُنَّ مؤمنين صالحين، ولا تجعلنا فيهنَّ من المغبونين، ولا عنهنَّ من الغافلين!

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

حدِّثيني

حدثيني، حدثيني عن موقع الأيام من نفسك حين أغيبُ فيها عنكِ، هل ترينها أياماً من الزمن، أم زمناً من الأيّام؟!

أمَّا أنا فلا أظنُّكِ في الهوى تلقيكِ رياحه حيثُ شاءتْ كما تفعل بي؛ إذ إنني لا أعملُ فكري إلا في نظرٍ لما يصدرُ منكِ إن حدث بيننا سكنُ عاطفةٍ وتأجج أخرى، أو حين تطمرين مشاعرَ لا أرانا بطمرها ممن يتمرغ في نعيم التيم، فتصمتين صمتاً أعود فيه إلى كُلِّ ما يثبتُ أنك تبادليني به الشعور نفسه، فأراه برؤية من في قلبه مرضُ الشك، وفي عقله عافيةُ يقينٍ بهذا الشك، فما أنظرُ للأفعال التي كنتُ أحتجُّ بها على تفردي لديك إلا أنَّها يشترك فيها معي غيري ممن هو دون مني منزلة، وأنني بعاطفتي لأحكم على نفسي بهوى لا تتداعى له سائر الإنسانية بالسهر والحمى، إذ إنَّه من قلبٍ زاد على أن يكون أعمى، بأن وهى حدسهُ، فما ناظره إلا حدسُه، وما ماثله وكافأه سوى ما خرجَ منه، وهو ذات ما دخل فيه من طبيعة وكينونة؛ ولكنني أنشدُ الواقع فيما بعد ذلك، وأستشير ثقةً فيما بين عقلي وقلبي، أعود معهما أزفرُ خوفاً وقلقاً واضطراباً كان اعتدال الهوى باعثهم منكِ لي، فما أكاد أنتشي حتى يسابقني انكماشك، وما أكادُ أضيقُ حتى تسعينني حباً، فلله تاسعُ جدٍّ أنتِ منه!
ووالله إنِّي لا أشعر بغايةٍ للذتي في عشقك، وبآخرَ في التعبير عما أكنه لكِ سوى أنْ أشتمكِ شتيمةً عالقةً بطيفكِ إن غبت، وحين تتوسَّط بيننا عُقَدُ الأنفاس التي تنبعث من ولهنا في الاقتراب حتى نسكنُ بعضنا، وهذا ضعفُ المُحِب إن أردتِ الحقيقة، وليس هو ـ أي المُحِب ـ إلا أنا في ما شرع قلبانا به، إذ إنَّه لا يستطيع إلا أن يسيلَ كُله في بعضٍ من نزف، وهذا من تمامِ ما يشعر به، في حينَ أنَّ قوتك وارتكاز عقلك بعاطفتك؛ حاصلٌ ونتيجةٌ لذلك الوهن الذي بدا مني، فأنتِ أبداً يدُ الحب هذا وما أنا منه إلا خاتمٌ في تلك اليد!

يقول الحكماء أو الفلاسفة، بأنَّ من أحبَّك على شيءٍ أبغضك على فقده، وإنني حينما أفهم تلك العبارة تمام الفهم، أرى فيها غير شيءٍ من الصحة، وتوفيقاً وتسديداً حينما تكونُ الدوافع أغلب ما تكون بهيمية، لا ترتفع بذاتها عن تلك المنزلة، إلا بقدرٍ أطلبُ فيه منك بعضاً مما أعطيك؛ وهي ـ أي الأعطيات ـ ليست رجعاً مني، أو منحاً من رضا نفسك، بقدر أن أرى رسْمَ ذلك العطاء، وقد حملتهُ تباشيرُ وجهك، فاصطنعت له روحُك تاجاً من العرفان، والإكبار، ومعرفة ما لي عندها لا أكثر!
عدتُ بذاكرتي إلى بواكير لقائي بكِ في هذه الدنيا التي تفضلَّت علي بأن جمعتني وإيّاكِ في موطئٍ من مواطئ إيثارها، فما وجدتُ باعثاً منكِ إليَّ فطنتُ له سوى اقترابك مني، واهتمامكِ بي، وما أظنُّ إلا أني أحببتُ محبتكِ لي بدءاً، ثم انخرطتُ في سلكِ روحك حتى لا أعرف لي منه مخرجاً، وإن كنتُ شحيحاً في إيجاده. صحيحٌ أنَّ عينيكِ بهما من الجمال ما يغني ملامحك الأخرى عن أن تكونُ لذاتها؛ ولكنها لم تنادني نداءً علنياً، وإن كان في نفسي من ندائها الخفي شيءٌ ما علمتُ كنهه؛ على أنني أجزمُ بأنها لم تكن أمَّ انشغالي بك. وأنا إن أحببتُ روحك، فلجذبٍ كان منها لي، فما أحببتُ قبلاً إلا حاشيةً حففتِني بها من اهتمامٍ والتصاقٍ على غير تهيئة، ودخولٍ في حياتي من أمام ما لا وعْيَ لي به، ومن خلف ما أعي، فكنتُ الآخِذَ الذي لن يزالُ مأخوذاً من بعدُ، وهذه هي التصاريف، حتى في الحب، فمتى ما أقبلتُ كلي، أدبرتِ كلكِ إلا شيئاً يسيراً يبقي على كبير ما بيني وبينك، ومتى ما لوَّيتُ بقلبي: إمّا نافراً مما بدر منكِ، أو متعززاً كطبيعةٍ اكتسبتُها منكِ، حتى أعودَ متأججاً أكثر مما كنتُ وإن كان بقليلٍ إنسانيةٍ تعطفين بها عليَّ، وهذا لا يعني أنَّكِ تهمليني آن أن تشعري مني ببوادر بعد؛ بل إنَّكِ لو تثابرين في القرب الذي يلتهب حين ابتعادي، أو تأخري، لكنتُ وإياكِ في علاقةٍ طردية لا عكسية!
وأنا على ذلك ومنه لا أدري ما الذي أحببتُه فيكِ، لأبغضكِ على فقده، فدعيني والفلاسفة في كفةٍ وقلبكِ في كفة لأرى، وسأعود في غير ما قلت، وهذه ليست سوى سابقةٍ، فانتظري!

الاثنين، 22 يوليو 2013

كنانةُ الإسلام/ شعر

لئن سرقوكِ يا مصرُ
أو ابتدرَ الحِمى مكْرُ
فأنتِ كنانة الإسلام

 إن نفعوا وإن ضروا
وإن أثوابَكِ انتزعوا
فَنُورُ إلهكِ السِّتْرُ

وإن سادوا أو انقلبوا
أو امتازوا أو اجترُّوا
فلا تخشَينَ سطوتهمْ
فأوباشٌ ومُغْتَرُّ!

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

مارك دوقان فوق الغيوم


هي سبع حكايات أو قصص كما قد ذُّيل في الغلاف الأخير للكتاب، ويخطئ المترجم أو من قدم لها بأنها تصلح وهي قصص أن تكون فصولاً لرواية قد يكون ترابطها ضعيفاً أحياناً وقوياً أحياناً أخرى، لأنها وإن تشابهت بعض شخوصها الأبطال وظروفهم وأقدارهم إلا أنها في مجملها لا تمتلك رابط الرواية الذي يعود بتفاصيل تلك الحكايات إليه عبر بناء منطقي، وحبكة متقنة جداً، واضح أن المؤلف لم يفكر حتى هذا التفكير الذي عُرض من المترجم، حتى وهو يجعل من الضياع والانعزال عنواناً صريحاً لقصصه وأبطالها.
حملت الحكايات في أغلبها طابعاً تأملياً فلسفياً على لسان البطل السارد ينقل فيها على ما أظنُّ رؤية المؤلق الفلسفية حول تجارب قد تشي بسيرته في الحياة ببعضٍ منها كان قد خاضها، خصوصاً في الدراسات السياسية والتي قد تحدث عنها في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي "، بشكل واضح، كما أنه أوغل في التأمل الواقعي من خلال عزلة شخصياته وتفضيلهم عدم الاحتكاك بالمجتمع والاحتكام إلى الكائنات الحية التي من الممكن ألا تشعرك بالوحدة نسبياً؛ لكنها على كل حال لن تستطيع أن تنزعك من الوحدة الحقيقية التي تشعر بها في قرار نفسك.
كان مارك دوقان يبدع أكثر كلما طالت صفحات الحكاية خصوصاً في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " وهذا يدل في اعتقادي على النفس الروائي الجلي عنده، بينما يكون غامضاً أكثر كلمَّا قلَّت الصفحات واقتربت أن تكون قصةً قصيرة، كما في " إيلين " خلافاً لـ " حباحب اليشم " فإنها رغم قصرها إلا أنَّها تأخذ ملمح رواية في التفاصيل الواسعة على بنائها.
اقترب كثيراً من العرب ولا أدري هل لأنَّ فرنسا تختص بتلك الجغرافية القريبة من بلاد المغرب العربي، وأنها تحمل في جوفها أطناناً كثيرة من العرب المهاجرين من ذات المكان، كانت المغرب مكاناً لقصة " فيتامينات الشمس " والعراق صورةً في مشهد تلفزيوني من قصة " مونبارناس " ، والجنس العربي معرضٌ به ومتهم في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أم لأنهم قضية العالم الوحيدة التي تلتصق التصاقاً وثيقاً بالحروب منذ فلسطين عام 1948م إلى اليوم. لأنَّ المشهد العراقي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر تعني هذا.
الحكايات في مجملها جيدة جداً إلا ما كان في المبالغة الدرامية وإقحام الحاسة البوليسية في " فيتامينات الشمس" لأنه لم يكن من المنطقي أن يظل التنصت لسنوات من قبل قاضية، ثم معرفة ذلك كله من قبل المسرحي الذي لم يندهش لأنه يعرف فينتقل بفعل الدهشة إليها.
كان في " طيبة النساء " موطناً خصباً للخيال استطاع به توظيف بعض تقنيات القصة، ولو أنّه استخدمه لرواية أظنه سينجح بالتأكيد.
أبطاله يحملون مؤهلاً نخبوياً في الغالب، هناك الناشر والمؤلف في " طيبة النساء " والرسام " في ريح الشرق " والمنتقل من التشرد إلى الاختراع في " أسطورة ساذجة من الغرب القصي " ومؤلف مسرحي في " فيتامينات الشمس، ما عدا بطل " مونبارناس " الذي يشغل مهنة ناقد طهي في وجهة نظري.
المجموعة ثريةً بالفنَّ القصصي والروائي الذي أعطاها نكهة وإن لم تتصف به. كان مارك دوقان من فوق الغيوم ممتعاً باختصار.

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

بقيَّتي والزمن الجميل

إن استطعتِ أن تردي لي الزمان الأول بكل ما فيه: مني، ومنكِ، ومن الطبيعةِ التي ظللتها تلك السماء التي نعرفُ أنها لا تمطرُ إلا حين نتفيأ تحت ظلِّ غيمةٍ بعثتها لنا تشهدُ على رُوائنا بعد هاجرةٍ من الظمأ، أقولُ إن استطعتِ أن تردي ذلك كله بأرواحنا ذاتها التي كانت هناك ولم تكبر فقمينٌ بي أنَّ أمدَّ لكِ يدي، وفيها ظلالٌ من تلك الحياةِ التي كُنا ننعمُ فيها،  تلك الحياة التي ولشدة ما أقبلتْ علينا، ظننا أن لن نرى لها قفاً أبداً، فإذا هي بمباركةٍ منكِ ومني ومن طبيعتها التي لم نعرفها إلا مؤخراً تنقلب فلم يَعُد لها ملمحٌ ولا وجهٌ نعرفه فنستبشر به، أو نكاد نتهيأ للأمل الذي سفكنا دمه تلبيةً لعنادنا ورغباتنا حينما عزمنا على ألا نتفق إلا في هذا الفراق اللعين.
أعرفُ أنَّك لا تستطعين أن تكسي هذه العظامَ لحمها وقد نهشه الشيءُ الذي توافقنا على فهمه دون شرحه أو معرفة سببه؛ لكنه على كل حالٍ كان كَيَدِ الدنيا حينما تحزمُ وتعزمُ بإشارتها لك على حدٍ من حدودها بأن تقف دونه راضخاً للنظام ذاته الذي تداعى لك أولاً في نعمائك ثم دار دورته تلك التي وجدتها على ميثاقه من قبل فأعرضَ عنك غير عابئٍ بكل ما حدث وما سيحدث!
نحنُ ضعفاء يا بقيتي والزمن الجميل، نحنُ لا نستطيع أن نعيدَ لحظةً أقربَ من هاته التي حاولتُ أن أُعجزكِ بها حتى لو اقتصرَ ذلك على أن نجدد بها طهر قلوبنا ونزيل عنهما نُكَتنا السوداء فقط.
حتى وأنتِ تشددين في رجائكِ بأن الأشياء الجميلة قد تعود وإنْ بقالبٍ مختلف؛ لكنه جميل ما دمتُ وإياك فيه نحشرُ أنبوب اللحظة الزمنية، وأنَّ اللحظة الاعتيادية الخالية من التمييز بين الجمال والقبح قد تصبح كنزاً من كنوز الذاكرة حينما يضفي عليها الزمنُ قِدماً له قداسةٌ أصيلةٌ فينا، حتى ذلك لا يجعلني أستسيغ من نفسي أن أكون مختلفاً عن ذاك الذي عرفتُهُ فيَّ ومني، ولستُ على أهبةٍ لأن أتَّخذ من الدنيا عهداً جديداً أصعدُ فيه صعابها، وأنزلُ صروفها، لا ولن أقبل بأن أبتدئَ من حيثُ انتهت تلك اللحظات من عمري، لأن المشاعر ليست شيئاً يُكسرُ فيُجبر، أو يُعطب فيُصلح، ولا هي ممن يُقطع فيقبل صلةً فيما بعدُ ولو كانت من ذات القلب الذي نفث فيها من روحه أولاً!

فيا بقيتي لا تأخذيني بهذا الجنون الذي ترينه، ولا تأخذنَّكِ تلك العاطفة وذلك الرجاء على أن تعتقدي بأننا لن نحملَ لبعضنا جميلاً دون أن تتداعى مادتنا التي تحتضن أرواحنا إلى هذا النداء الذي تسمعينه وحدك، كلا والله، بل إنَّ في تلك الأيام لحظةً لو وزنتها بجميع ما عداها لرجحت دون مشقة؛ ولأنَّه الجميلُ الجميلُ الذي أحمله لكِ ولي ولِما قبل فإني لا أرتضي لروحي غير تلك الروح وذاك العهد. 

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

مِنَ الآخِر

من الآخر/ توقيع
شكراً، لا يؤتى قلبي بهذه الطريقة!
ثم رجوعاً إلى البداية، فأقول:
ربما تحملُ شخصيتي الكثير من الليونة في التعامل؛ ولكنَّها لن ترضى أن تكونَ مدىً مِنَ الانزلاق في مغبات هوى الآخرين.
إنَّها بمعنىً آخر قريبةٌ منكِ؛ بعيدةٌ عن هواك! حسناً، لم تفهمي؟ إليكِ هذه:
يؤنسني أن أتقبل الآخرين كما يريدون، بل وأسعد لذلك؛ بيد أنَّ ذاك لا يعني بأنَّ إرادتي رَهْنُ خيالاتهم، صدقيني أنا وَعِرٌ في سهلٍ انشرح له صدرك، وتهللت له روحك، ثم إني في مجمل تلك الطبيعة، وعموم ذلك الكون، تفصيلٌ اخْتُصَّ بالبساطة.
أجيبي: أقريبٌ أنا أم بعيد؟!

تقولين: أخشى عليكَ مِنْ حُبي، وأضحكُ من ذلك؛ ولا تسأليني؛ لأنَّ ماضيكِ في الجملة، لا يتحرج من أن يُظهرَ نفسه بائساً يستجدي حاضر قلبي في ترميم ما تردَّم منه؛ وإنَّ الرفيع من تلك العبارة، لَيَضَعُكِ في درجةٍ عندي، ما نزَلَ إليها أحد، حتى الوغد من أعدائي!

أتدرين، نحنُ نوارب في كثير من حقيقةِ السلك الذي ينخرط فيه أدنى شيءٍ منا؛ ليسمى علاقة، سواءً أحَسُنَ رَصْفها، أم قَبُح. أنتِ تحدثيني آملةً أن يَقَع لذلك الكلام أثرٌ في نفسي، وتحسبين نفسي خالصةً بفطرتها؛ ولكنني أدفعُ إليك ذلك الأمل؛ بأخر أدنى نشوةٍ منه، وأقول: بأني لستُ وحدي فيما إذا اندفعتُ أو تراجعت؛ لأنني خليطٌ من مواد البشر التي سكنتْ نفسي، وهجينٌ من أطباعها التي تأصَّلت في روحي، وخُلاصةٌ من تجاربها التي تآلفت معي، فكوني بِغُرورٍ يضفي على صدقك هيبةً تؤهلكِ لأن تدخلي المضمار؛ لا باستجداءٍ يأنفُ أن يكونَ على طبيعته؛ فلَبِس ثِقةً دارى قُصرها بالجلوس!
 ثم عودي إلى الأعلى!

السبت، 8 يونيو 2013

يا ليتني من أهلها/ شعر

يا ليتني كنتُ معهم
هذا ما ظهر من الألم وما بقي أكثر

وتجودُ بالأبطالِ حمصٌ ليتني
من أهلها بطلٌ أجودُ بروحي
فازوا وقد خسر الأُلى ما خُلِّدوا
في رسْمها وترابها بِذبيحِ

الجمعة، 10 مايو 2013

لا تطرق باب الذاكرة بشمالك

عذراً، لستُ البادئ في أن أشعرَ بأنَّ نبضاتي ما عادت تخفقُ لكَ ذلك الخفقان الذي لو شحذ مسمعَكَ دونه حديثُ جبلٍ غاضبٍ، أو أنينُ أرضٍ تصدَّعتْ، ما وشوشَا على أذنيكَ في أنْ تستقبلَ همسةً منه حين تكون روحك هي من ينصت لتلك القُبل الروحية!

كنتَ أنت من سبقني إلى ذلك؛ ويا ليتك سبقتني إلى خير. كنتَ في تآلفك معي لا تلوي على مزاجٍ صافٍ، ولا طريقةٍ واضحة، ولا محجةٍ بيضاء، وعليه فما كان حسُّك في قرارٍ مما تشعرُ به أبداً إلا أن يكون متغيراً وكفى
آهٍ.. ما أمضَّ أسفي، وما أصدق أنيني، وما أشدَّ وجعي، حينما يلوِّحُ لي أحدُ تلك الأيّام بيده في أسفلِ السماء الأولى من الذاكرة، ليصدح في الفضاءِ صوتُ قلبي القديم وقد تمرَّغ في وتر البكاء يدعوني لأن نمتزج  في تلك الأغنية الجميلة التي لطالما كنا نتغنَّى بها من روحٍ واحدة وجسدٍ واحد.
آهٍ لو تعلم بأنَّ الأبَدَ الآبِدِ في الشديدِ من ألمي، والعتيِّ من وصبي، لم يكُ في تأثيره الدامي عليَّ، كاتِّفاقِكَ وبهجة الدنيا في أن تعرضا عن الأمل الوحيد الذي انشطر لي منكما فتراءى في أفقي! 
آهٍ.. ثمَّ آه، لا أُلامُ والله، وقد كنتُ الأحقَّ بالغبنِ من ضميركِ لو أحياه هجري.
لِمَ تطمعُ في أن تراني مقاداً إلى ما لا هوَّةَ له إلا في وحْلٍ من الذّل، ومقيداً في طريقٍ لا يتبدى لي فيها إلا أثرٌ من غيابك وأثرٌ من قصي لأثرك عقب ما تيقَّنت
 بأني لا أرى في غيركَ من البشر من يكون بطولِ قامتك في قلبي، وبجلالِ حضورك في عيني، وباستقرار قطعةٍ فيك من روحي؟!
لِمَ حين علمتَ بما لكَ عندي ذهبتَ متعززاً!؟
لِمَ تتفيهقُ على مدايَ الذي احتجنْتُكَ فيه لتُرى عالياً، في حين أن لا غيري بَسَطَ لكَ كفه، وخصص لك نفسه!
ليتك راعيتَ بنظرك من أشغلَ ناظريه فيك، وليتك قبضتَ بكلتا يديك محبةً على فؤاده وهو يطَّوفُ حولك مغرماً؛ لكنَّك آثرتَ أن تبتعد أكثر عن الطبيعةِ التي تأتيك راغمةً دون موعد، وأبيتَ أن تكون إلا ربيبَ الصنعةِ الملوثة التي لقيتْ في طبعك مكمناً لها تجدد فيه ثوبها الخَلِق!
 عذراً، قد كنتُ والله راغباً في أن أتجاوز حسن ظني إلى أحسن منه، فما وجدتُ غير هذه الانبعاثات منك، فأحببتُ أن أردها في الهواء الطلق، لا لك، على أني أخشى أن يضيق بها الفضاء.

الجمعة، 26 أبريل 2013

السامُّ والأبرص



( 1 )

إلى الأمير أبي زيد بن الحكم من تميم الأبرش
أمّا بعد ...
فما هو ببلاغٍ هذا الذي حدث فَيُتروى في أمره ويُنظر، وما أتانا بمكتوبٍ حتّى نُكْبِرَ أمر من أراد الوقيعةَ بيننا، ونغفلَ سخطَ مَنْ أَكْبَرَ تغافلنا عنه.
أمَا والله إنّه لأخذَ مِنَ المعاينةِ ما أخذ، فأُجْزِع القلبُ بما نفذ. فما هو إلا اختضاب الأرض، واطِّراح الخيل، وتناثر النصال، واحمرار السيوف، فما سَلِمَ من الرجالِ إلا الجريح، وما بقيت النساء إلا الثكلى ، وما سيشبُّ من الفتيانِ إلا من يتَّمْتموه، وما وجد ممن بقي ما يقيمُ به صلبه، ولا ذلك الذي يكدُّ بالتي سقتموها غنيمةً على حقٍ استرددتموه. وما لكم في زيادته إلا ما سيخلد على الألسنة.
فإن أردت النصرَ في أمرك، فارتكاز هيبتكَ وثبات عزّك، فها أنتَ فعلت. وإن أردتَ خذلان من اعتدى بغير علمٍ، فهوانه وإذلاله، فقد جرى الأمرُ على ما تريد ولن تُغْنِيَكَ زيادته شيئاً.
أبيتَ اللعنَ أيها الأمير . الله الله في حقّنا الذي رأيتَه عندك؛ إذ ثبَّتنا فؤادَك، وأقررنا عينك بسلامة من إذا لم تسلمْ في حُطَيْمٍ* وغيرها، لن يُخطِئكم لا خزيٌ ولا ندامة، فما مُوَدِّعُك وإيّاها ساعتئذٍ إلا رجلٌ من قومٍ فعلتَ بهم ما فعلت، فانظر ماذا ترى؟!

( 2 )

من سمو الأمير أبي زيد بن الحكم إلى تميم الأبرش
أمّا بعد ...
فإنا لا نعرفكَ من القومِ الذين سلبوا عيرنا وقتّلوا رجالنا. وهم إن جهلوا ما لنا من مكانةٍ وإمرةٍ عليهم، فما هم بأقل من قطّاع الطرق في شيء بما فعلوه. فما جزاء من صنعَ صنيعهم إلا أضعاف ما وصفتَ لنا.
وإنّا نراك تنضح عنهم نُضْحَ من استأمنَ أنْفس ما في القَعْر.
ألا فاشكرنا على ما أنت فيه من نعمة، ولا تأخذنّك عصبيّةٌ لقومٍ بلَغَنا أنهم أخرجوكَ لما أصبتَ من دمٍ فيهم، ولم يكتفوا بفداء أبيك لك طمعاً من عند أنفسهم. فما ترجو من قومٍ لم يعدُّوك فيهم، ثم إنّ ليس في طبيعتهم إلا السلبَ والنهبَ!
وكما قلنا لك في حُطَيْمٍ سابقاً: إن شئتَ أن تكون الأعزَّ المُكرم، فما لك بُدٌّ من أن نجعلك ردفاً لنا، وإنّا بذلك لنردُّ لك حقاً ارتأيناه علينا. أمَّا فيما دون ذلك فهيهات هيهات.
واعلم أنَّا لم نبعث ولم نقبل كتابَ أحدٍ من العامَّةِ إلا إيّاك.
فأنتَ وشأنك .

( 3 )

إلى الأمير أبي زيد بن الحكم من تميم الأبرش
أمّا بعد ...
فإنِّي إنْ تلطَّفت تلطَّفتُ لصنديدٍ هُمَام قبل أن أرتجي سخايا الأمير وسجاياه بالعفو؛ فما غلبتَ علينا بهذه ولا بتلك.
إنَّ منْ عاش أبواه وأخوه وأختاه؛ وهو مُحرَضٌ فما بنافعه ذلك شيئاً.
وإنَّ القومَ الذين نعتَّهم بما نعتّ، هم الذين أكرموكَ بي إذ نفوني إلى ما جمع بي وبك، وإنَّ لهم من الحكمة في ذلك ما لا يبلغ إليه جلساؤكَ من ذوي الرأي، فدعْ عنكَ ما بيني وبين قومي.
ونحن إذ حفظنا لك عقيلتَكَ ذات ليلةٍ، لا نرجو إلا ما رجاه شرفها، فرُدَّ لنا ما سبيته من نسائنا كما عهدناهم ولا تزد؛ فأنتَ بذلك مُكْرِم.
( 4 )

من سمُّو الأمير أبي زيد بن الحكم إلى المجترئ الأبرص
أمَّا بعد ...
فقبَّحَكَ الله وقبَّح قوماً أنتَ منهم. ويحكَ لم تزد على أن تكون أرذلهم وأدناهم وأحمقهم.
وإنا لنعلمُ أنَّ ما جرَّأكَ علينا إلا ما بُسِطَ لك من أكفِّنا، وما رُحِبَ لك من صدورنا، ولعمري ما إن ندنو حتى تنأى، وما إن نقبل حتى تدبر، فأشغلتنا بصغير همّك عن كبار همومنا!
وإنَّ الحقَّ الذي قد جعلناه لكَ علينا ذات يوم؛ نراك تأخذنا به مأخذ من رأى منّا سوأةً فيكسرنا بها، وإنَّ صبْرَنا على ما اقترفْتَ لَيَسَعُ جميلَكَ الذي فعلتَ، فلم يعد ما بيننا من أمرٍ يرجوه الأدنى. وإنّي لأعجب من حلمي عليك؛ إذ أجعل لك شأواً حينما أجيبك فيما تبعثه من كتبٍ علينا .
ولتعلمْ أيّها الشقي أنِّي متى ما رأيتُ منك ما يصلُ إليَّ هنا ؛ لأجعلنَّ رأسكَ لُعبةً لغلماني.
فأنتَ والحمق!
( 5 )

إلى الملك المُعَظَّم: الخَمْخام الأزفري
من خادمك المُطيع: ذَرْعُ بنُ خُزَيْمَة
أمَّا بعد ...
فأبيتَ اللعنَ أيُّها الملك .

إنّا لم نجد في بُجَيْرٍ**من أشياعنا وأتباعنا إلا جِيَفاً تأكلُ الطيرُ منها. أعلاها جُثَّة عاملكَ ابن الحكم وقد صُلِبَ على جذع. أمَّا ما عدا ذلك فأسرى نسمعُ بهم ما رأيناهم لدى ذلك الأبرشي الذي استفحلَ أمرُه.
وإن كان أيّها المُعظَّم من أمر المصلوبِ في ابتعاثنا نصرٌ له دون غيره، فما غَلَبَهُ إلا هوانه، وسوء نيته، وإن كان في ذلك نصرٌ لملكك، وتمكينٌ لعزّتك، إذ إنَّ من غضَّ من شأن ولاتك وعمّالك، إنّما هو يغضّ منك، فأنيابُنا تكاد أن تتبدّى لتنهش من أجسادهم ما لا يبقي لهم فيها لحماً ولا عظما، وما هي إلا غارةٌ لا يعلمون أمِنْ قُبُلٍ كانت أم دُبُر؛ وما أمْهَلَنا على ذلك إلا رويّةٌ علّمتمونا إيّاها؛ وحلمٌ نفذَ إليه معشرُ الأبرشيين، طامعين منه بعفوك؛ إذ أظهروا لنا صلحاً وهدنة، راجين منّا أن نبعث لفخامتكم رسالةً يجددون فيها بيعتهم لكم، من غير نقضٍ لسابقتها، ويطلبون منكم أن تؤمروا على حيّهم رجلاً منهم ترتضيه أنت أولاً فيرتضونه.
وهم إذ سلّمونا ابنةَ ذلك المصلوب كما هي لم تُمس، فإنهم يبرهنون لجلالتك حُسنَ نواياهم.
ونحنُ على ما ترى.

تمت. 


* المواقع المشار إليها من الخيال.

القصة من مجموعة رسالة إلى جارتي العزباء.

الاثنين، 22 أبريل 2013

سيَّان/ شعر

تركتُ هناكَ أحلامي وجئتُ
أخافُ من الحقيقةِ ما عَلِمْتُ
حياتي بائنٌ مني وماذا
يضيرُ الموتَ إن وافاهُ مَوْتُ؟!

الاثنين، 15 أبريل 2013

بورخيس في صنعة الشعر

بورخيس في صنعة الشعر كان معلماً حاذقاً، وكان متواضعاً لا يفرض علمه ولا نفسه في طريقة إلقائه لمحاضرته؛ كم كنتُ أتمنى في الحقيقة أن لو حظيت في حياتي الدراسية بمعلمٍ مثله يشير إلى ثقتي بنفسي ثم يقول لي نمِّها بنفسك. حينما كان يختار الأمثلة في هذه المحاضرة فإنه لا يغفل الجانب الذي يزعم أنها ليست الأفضل؛ ولكنها مما جرت على الذاكرة، بل إنه يدعو الطلاب لأن يقيسوا ما قاله على أمثلةٍ من عندهم قد تكون أفضل. ولعل هذا سيباً لعدم جنوحه إلى إنشاء قوائم بقيمة الكتب التي تعلم منها؛ لأنه يذكر أنها دائماً مظنة إغفال المهم.
يتحدث عن الشعر هنا باعتباره بداية الأدب، ثم إنه جرى على الاستعارات فيه وعلى تأليف الكلام وبنائه وموسقته.
كان عذباً وهو يتحدث، وكان واضحاً وهو يناقش أفكار النقاد في بيتٍ ما، أو في نظريةٍ لترجمة حرفية أو بالمعنى المفهوم.
الكتاب تمهيد إلى ما هو أعمق، ولا أراه ينهج مناهج التعليم بالرغم من أن هدفه الأساسي تعليمي.
شكراً بورخيس، شكراً أيها المعلم.

الثلاثاء، 19 مارس 2013

والله ما علمتُ عنكِ إلا خيراً

والله ما علمتُ عنكِ إلا خيراً، فما ظنُّكِ بعلمٍ أرْكزَتْه دماثتُكِ، ونقاء سريرتك، وانطراح همتك على كُلِّ ذي جَوْد، وسُمُو إرادتك عن كُلِّ ذي أَوْد، وهو ـ أي ذلك العلم ـ يحارُ في أن يكون بلا حقيقةٍ في حقيقةِ وضعِهِ، أو أن يكون بلا وجهٍ في وجه موضعه، وايم الله يا غالية؛ ما إخال ما انغرسَ منه ورَسَخ، إلا وقد طُمِسَ ودَرَس!
فما من ثوابتٍ عهدتُها فيكِ تُجِلُّ شَرَفَ قرارها، وما من مبادئٍ أكبرتُها تُهيبُ فيكِ خوض غمارها؛ ثم أين ذلك الإباء، والولاء، والحياء فيما ذهبتِ إليه مؤخراً من إيثار ما تشتهينَهُ، وإن كان دَنِسًا: إما بأصله، أو بميلك في إباحته عن الحق.
لا والله، ما هذا بيمينِ القول إلا أن تكوني في عِداد المُتَلَبِّسين بهذه النفس التي ما فَتِئتْ أن أرشدَتْ حُسن ظني إلى طُهْرِ يقينها في أساس المحافظة على كينونتها صفاءً، فبقاءً.
عرفتكِ عاقلةً لا تلتمسين التفاصيل التي لا تعودُ جُمْلةً إلا في حيِّز الهوامش التي لا تبْسُطُ عن عقل؛ ولا تتساور عن فكر.
ثم إني توسَّمتُ فيكِ شيئاً من الحكمة تنميه تلك التجارب المخللة بنظرٍ في دواعي الأفعال، ويستدعيه أمَلُكِ في الصبر على ما سيقبل، عدا أن تلكم الحكمة ما كانت لكِ سربالاً يسبل عليكِ من فيض الوقار والهيبة إلا ما كان في ساعةٍ من تواؤمِكِ معي تحتَ ظِلٍّ من شمس التشبب والنزق!
يا هذه، ألستِ من آثر الترغيب يوماً على الترهيب؟!.. ألستِ من زَعَمَ بأنَّ للبشائرِ مأخذاً هو خيراً مما للنذر فيه من اقتلاع؟!.. إنْ كُنْتِ ممن قال ذلك وهو يعي ما يقول، فما لي أراكِ لا تَتَأتَّيْنَ للحق إلا بالغلظة، ولا تنساقين له إلا وإفرازات الصَغار باديةً على محياك، ثم ترين لذلك السبيل مرأىً يصح في بعض، فتخطِّئينه في كُلّ، وما هذه من أمارات عقلك، بل هي من ركائز هواكِ الذي ضعضع ما مُلئتِ به من خير ونِعم، فأنشأتِ عُمُراً تُذْوِيْنَ أصله بمراهقةٍ لا يعرف العلم إلا أنَّكِ ممن قضى على نحبها عدداً. فأنتِ ممن أتى بها في غير وقتها هامسةً لي في تورد غريب: 
ـ ربما هو من التعويض.. فأنا كما تعلم ما راهقتُ إلا في القراءة والاطِّلاع، وما جهالةٌ لي في ذلك الوقت سوى ذلكم الهدوء، أفأكون راهقت؟!
لم أجبكِ حينها، عدا أني أحلت الإجابة إلى صادقٍ فيكِ، فاسمعي ما يقول: 
ـ نعم، مُصيبةٌ أنتِ في بعض ما قلتِ؛ ولكن الصواب يقف على ما تقولينه موقف الحقيقة في غايتها؛ ولكنه لا يجري عليه مجرى تقييم الغاية في حقيقتها؛ فأمر حيويتك البدنية استعضتِ عن كثيرٍ منها بكونٍ من حياتكِ العقلية، والتي لولا أنَّها كانت غالبة طاغية، لما تفشى فيكِ ذلكم الألق الروحي، وتفنن الأنفس في أن تصبو إلى الائتلاف معِك، ثم إنَّك لم تكوني إلا متأثرةً في ذلكم الائتلاف، وذا لم يكُ من قبل، الأمر الذي عجَّل بفقدانِك لشخصيةٍ كانت من التأثير كما هو تأثير ممن تتوثبين بسببه إلى كلِّ ما هو دَوْنٌ وتحت!
بحقي عليكِ ـ وإن كنتُ ذلك الصادق الذي تحنين إليه دوماً ـ فكري في سرِّ من تسعينَ خلفه؛ ولو بلمحةٍ من الأرشيف الأصيل الذي تحملينه، وإنَّ وريقاتٍ لتظمأ إلى ذلك.
أحبكِ، وإنَّ لي لعودة!

الجمعة، 15 مارس 2013

أنشودة التَّيْه / قصيدة


دمي مُراقٌ على وجهِ العباراتِ

دمعي دواتي وشعري صوتُ مأساتي

أهيمُ في عالمٍ ماضيهِ يبخسُني

ولستُ فيهِ على صُلْحٍ معَ الآتي

ترتادني نظَراتُ التَّيْهِ والهةً

فتسْتَتِبَّ بها طوعاً متاهاتي

ويعْبِسُ الحظُّ في وجهي فيرمُقُهُ

حِلْمٌ تبسَّمَ من خلفِ الكآباتِ

كم حائرٍ حالمٍ مثلي تُنازِعُهُ

يَدُ السؤالِ على أرضِ الإجاباتِ

لم أستطعْ وأنا مُغْمىً على قلقي

أنْ أستفيقَ على فجرِ انطلاقاتي

حتى الجهاتُ التي باتتْ بِأخْيِلَتي

لم تسْتقرَّ على جَنْبٍ بِمرآتي

بيني وبيني رؤىً قد كنتُ أحجبُها

لكنها لم تزلْ تُلقى على ذاتي

كُلُّ المسافاتِ أطوارُ الغيابِ وما

أفَدْتُ من مشْهَدي غيرَ انتكاساتي

السبت، 9 فبراير 2013

كَبُرْتَ يا هذا


بُرتَ يا هذا، ولستَ وحدكَ من يشعر بذلك أعلم؛ ولكنَّك لا تدري فيمَ كَبُرْتَ، فمسَّ التأمُّل منك جانباً من الحيرةِ وظللتَ على غير هدى!
أمَّا الزمنُ فما أخذَ لنفسه منك سوى عامٍ واحدٍ فَنَيَ قبل أن تشعرَ بِكِبَرِك. ولستَ بمن صعدَ درجةً في السلَّمِ الوظيفي أو المعيشي حتى تدرك صِغَرَ ما كُنتَ عليه أو ما كان حولك.
وليس جديداً جِدَّةَ المُستقبلِ زواجكَ حتى تعتقد بأنَّكَ أتعبْتَ زَمَنَكَ عزوبيةً ومراهقة، كما أنَّه ليس قديماً قِدَمَ الحقِّ حتى تراك به دون ولدٍ وتلد!
وما زلتَ تكبرُ يا هذا، وما زلتُ معكَ في معمعة الجهل في سببِ ذلك دون غيره، ولعلَّك حينما تبحثُ من تلقاءِ نفسِكَ بعد أن تكُفَّ عن النظرِ فيما سبقَ برويَّةٍ؛ تجدُ أن الانتقال ما بين طورينِ أحدهما كبير والآخرُ أكبر يأتي منطقياً إذا ما كان للتدرُّجِ معنىً ودلالةً فيه، وعليه فإنَّكَ لا يقِفُ عليه حِسُّكَ فجأةً، بل إنك لا تكاد تتذوَّقه إلا بعد مرحلةٍ تشيرُ لك على ما تغيَّر!
أمَّا البغتة التي انكشفَ عليها حجاب حِسِّكَ، فلذلك أبعادٌ مركوزةٌ فيما وراء العقل، قد تجدُ الكثير منها ذا معنىً منطقيٍّ في أغوار نفسك ومكمن عاطفتك!
وإن أكبرتَني في هذه، فلا تغتابُ وعيَكَ إن أنتَ ما استطعتَ أن تعزو ذلك الشعور إلى القصي من روحك، والبعيد من ذاتك فيك مما تعجزُ أن تطَّلعَ على الأطوار المنطقية لديه، فتدحضُ بها حُججَ عقلك فيما بدالك!
وثم إنَّه ليس من شيءٍ ذا بالٍ في برزخٍ من أنَّكَ كَبُرْتَ سوى أن تشعرَ بذلك وتعتدَّ به أمام نفسك، أمَّا ما عداه فَكِبَرٌ على كِبَرِك تشيخُ به همًّا وفكرًا وعمرًا.

السبت، 2 فبراير 2013

حفيدُك يا أبي

حُدِّثتُ بأنَّ تسمية الولدِ بالوالدِ ليست من لوازم البرِّ ولا من موجبات حُسن الصحبة؛ ولكني يا أبي ولأمرٍ أنت تعلمه ـ وقد لا تأبه به في برزخك ـ أردتُ أن أُخلِّدَكَ حاضراً في حفيدك لا غائباً عن ابنك منذ أن تجاوزتُ الثلاثة أشهر فقط.
حفيدُكَ يا أبي هو مادة قلبي التي أعرضها لك وأنا أُشهِدُ اللهَ على أحبك حتى ولو لم يكن ذلك إلا حديثاً لا يجري خاريج الصهاريج التي وضعها من يعتقد بأني لستُ أحبُّ فيك إلا الفطرةَ التي جبلني الله عليها!
حفيدكَ يا أبي هو أمَلُ الغيابِ في ألَّا يطول أكثر.
حفيدُكَ يا أبي هو ثمرتك التي أوزعتَ إليَّ بأن أتعهدها حتى تُظلِّلُ عليك معي، حفيدُكَ يا أبي ليس إلا أنتَ في نظر أبيه وكفى!
نُحبُّك عسى الله أن يرحمَكَ ويجمعنا بك في جنانه.

الأحد، 27 يناير 2013

انحسار

حَسَرْتِ كُلَّ شيءٍ منكِ أفاضَ عليَّ بالبقاء كما تعرفين وأعرف، وما عادت الأيامُ حبليَ الذي أفتلُهُ عن وجهٍ واثقٍ بالأوبةِ أنَّى رحلتِ!
لكنَّها رحلةُ الأبدِ من حيثُ أن طرحتِ متاع الإيابِ في ذاكرةٍ معطوبة.
أمَّا أنا فكنتُ أعلم أني رهنُ مزاجك، وأسيرُ رغبةٍ من رغباتك التي ما كانت تشتهي وفائي إلا حينما تضيقُ بها سُبُلُ الجفاء عني، أو تعود تلك الذاكرةُ إلى ما عُهِدَ في ذهنها فتعمل!
وكما تعتقدين دوماً، وبالطريقةِ التي تتوافقُ مع ما اتَّصفتِ به من عزِّةٍ عليَّ دون غيري؛ تظلُّ البداياتُ تصدرُ عني حتى وإنْ عزمتِ الزيارة!
وهانئةٌ أنتِ وأرضى بالقليلِ منكِ خشيةَ العدم، ووالله ما زلتُ أعجبُ من شرِّ ما ابتُلِيتُ به، ومن سوء ما أدفعُ به بلواي، حتى أني ما فتئتُ أدرأ عن رايةِ الرجاء التي ما زلتُ أحملها بأعذارٍ تطفَّلتُ بها على مائدة الحكماء، ولستُ منهم وقتيَ ذاك أبداً.
أجل هو ذاك وليس ذا؛ لأنَّها الأيام وما ظننتُها إلا أن تكشف لي مدى ما أسُقِطَ في يديها منكِ؛ ولكنَّها كانت أمضى عزماً من الإرادةِ التي تسلَّطتِ بها عليَّ، وأشدَّ حزماً من قيمةِ جزعي على الفقد، فكان أن عدتُ من حيثُ مدَّ انحسارُكِ أفقَ رؤيتي القاصرة.
أتدرين؟ أصبحتِ كما الغيب الذي رأيتِني به من قبل، فانسقتِ أمام فطرة الفضول في معرفة ما لم يُعرف وكفى، حتى إذا انكشفت رموزي عليكِ ألفيتِ غايتَكِ في جزْرٍ عما فوق ذلك؛ ولكنَّك حينما تكونين غيباً عدايَ فأنتِ غيبٌ من حيثُ أن يدرِككِ العقل، ويعلم بما لا يُرجى من إحاطتهِ بما لديكِ، فَمدَّ بأجنحةِ التجاهلِ يقي بها الاحترام الذي يكنِّه لنفسه دوماً!

الاثنين، 21 يناير 2013

ثالثة الأثافي/ قصيدة

أنأبى العزَّ إلا من خِلافِ
لعَمْري تلك ثالثةُ الأثافي
يدُ الزنديق لا تحنو ولكن
أيادينا تُربِّتُ بالتجافي
وما واللهِ يخذلنا طِعانٌ
ولكنّ الرِّماحَ بلا ثِقافِ
صبرْنا بيدَ أنّا ما ظفرنا 
بغيرِ العجْزِ والجَزَعِ الخُرافي
وتثكُلنا بحمصٍ كلَّ يومٍ
حرائرُ هُنَّ أشجعُ مَن يُوافي
وأطفالٌ تدوسُ الموتَ غضًّا
فينجو الموتُ ينجو بالمَخافِ
وأحرارٌ جحاجحةٌ كُماةٌ 
شِعارُهمُ أغيرَ اللهِ كافِ
أنلْهَجُ بالإخاء وقد نسينا 
دمَ العذراءِ في ثوبِ العفافِ
أنلهجُ بالإخاء وما غضِبْنا 
لِحمزةَ حينَ يُذْبحُ كالخِرافِ
أنلهجُ بالإخاء ولا إخاءٌ
لنا إلا على رُوحِ الخِلافِ
فيا اللهُ أدركنا فإنا 
تقادمَ ليلُنا والفجرُ غافِ

الأربعاء، 2 يناير 2013

واختلى بنفسه


دونك البلاد الشاسعة والقفار الواسعة، فصُبَّ فيها من نفسك ما يجعلك ذا قيمة!
هل يُسعدك أن آذيتَ نفسك؟ أنت قادرٌ على اغتراف الحزنِ من فمِ الذاكرة المُطبق أنَّى شئت؛ ولكنَّك تنحى قدرتك تلك عن كشف سنِّ بسماتك. لِمَ يا تُرى؟
 أتؤثرُ الأسود على الأبيض، والجرح على البُرء، والداء على الدواء، وكفن الموت على مهد الحياة؟!
من أيِّ البشرِ أنت؟!
أمِمَّن انكبَّ على الأرض فما فَطِنَتْ له السماء؟ أم ممن تقرَّب إلى السماء فلفظته الأرض؟ أم تُراك ممن لم تعرفه إحداهما، أو كلاهما؟!
بالله أين أنت؟
جِدْ لي نفسكَ, أأنتَ معكَ أم تولَّيْتَ عنك؟
انفث، فقد يملأ هذا هواءك الفارغ من أسباب الحياة. انفث فمثلك يقوى على النفث، ثم بُث، حتى يكلَّ بك لسانُك، وتزدريكَ آلامُك، وتعْتمُّك أحزانُك!
هل في ذلك شفاء؟ أم نسيم امتثال لعافيةٍ ما؟!
ممَّ تشكي؟ إخال أنَّ ألمك مما لا تعرف له صفةً فضلاً عن أن تحدد له موضعاً حسياً أو معنوياً، ثم فضلاً عن أن تجد له مسلكاً في الشكوى.
لكنني على كل حال، أعلمُ أنَّه ألمٌ والذي خلقك.
ثق في ذلك الصبر الذي صرفت نفسك عنه إلى كل شيءٍ اعتقدت أنَّ فيه البلسم والدواء فإذا به لا يخلو إلا منهما، وظلَّ ذلك الصبرُ أمامك لا يسترجيك ولا يستعطفك غير أنَّه يردد لك في صمته الذي تراه سمةً له: أنا لها، أنا لها.
  

ثمنك باقٍ ما بقيَت كلماتك تبوح عنك، صدقني أنت لن تتكرر مرةً أخرى، إذا لم يكن على هذه الأرض، فعلى هذا الحيز من الإنسانية الحقة التي بلغتها وأنت قد بذلت من روحك روح الإيمان بنفسك، حتى تلاشيتَ قيمةً أكبر من أن تبصرها رؤية، أو يحيط بها نظر.